
قاسم الغراوي
محاربة الفساد في العراق تتطلب رؤية استراتيجية تتجاوز الإجراءات التقليدية، حيث أصبح الفساد جزءًا من الثقافة السياسية والإدارية. رغم الجهود التي تبذلها هيئة النزاهة والأجهزة القضائية، إلا أن النجاح الحقيقي يكمن في تحقيق إصلاحات بنيوية تعالج جذور المشكلة، وليس فقط ملاحقة الفاسدين بعد وقوع الجريمة.
هيئة النزاهة الاتحادية تفصح عن تقريرها السنوي لمجمل إنجازاتها التحقيقيَّة والوقائيَّة والتوعوية في العام ٢٠٢٤
حيث نوهت الهيئة بالكشف عن منع هدر والمحافظة على قرابة (950) مليار دينار عراقي و قرابة (9) مليارات دولار امريكي خلال العام ٢٠٢٤
نسقت الهيئة مع الجهات القضائية وجهات إنفاذ القانون أفضى إلى عمليات نوعية لضـبط المتهمين بالجرم المشهود ،والهيئة نظــرت في (71823) إخـباراً وقضيـةً جزائيـة واستصدرت (19683) أمر قبض واستقدام وتوقيف ، وبالتعاون مع القضاء تم استصدار (48) أمر استقدام وقبض بحق وزراء ومن بدرجتهم و (418) امراً بحق اصحاب الدرجات الخاصة والمتهمون المحالون على محكمة الموضوع (12994) متهماً منهم (18) وزيراً ومن بدرجته
رؤية وحلول متكاملة لمكافحة الفساد ومواجهة التحديات التي تواجهها هيئة النزاهة :
1. إصلاح النظام السياسي والإداري
بإلغاء المحاصصة السياسية والطائفية التي تُغذي الفساد عبر تقاسم النفوذ بدل الكفاءة. وإصلاح آلية التعيينات عبر تفعيل مبدأ الكفاءة والنزاهة بدل الولاءات الحزبية. ويجب إعادة هيكلة المؤسسات بما يضمن استقلاليتها وعدم خضوعها لمصالح الأحزاب المتنفذة.
2. تعزيز الردع القانوني والقضائي
من خلال تقوية استقلالية القضاء لضمان محاسبة الفاسدين دون تدخل سياسي.
كذلك تشديد العقوبات على جرائم الفساد عبر قوانين تضمن مصادرة أموال الفاسدين وعائلاتهم. والتحقيق في مصادر ثروات المسؤولين وفق مبدأ من أين لك هذا؟ وعدم الاكتفاء بالتصريحات الشكلية.
3. تمكين الأجهزة الرقابية والاستخباراتية
من تعزيز إمكانيات هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ليمتلكا أدوات تقنية ومعلوماتية حديثة. ودعم الجهات الاستخباراتية لكشف شبكات الفساد الكبيرة وليس الاقتصار على صغار الموظفين.
وفرض رقابة إلكترونية صارمة على العقود الحكومية والمناقصات لمنع التلاعب قبل وقوعه.
4. إشراك المجتمع والإعلام في الرقابة
بحماية الصحفيين والمبلغين عن الفساد لضمان كشف قضايا الفساد دون خوف.
وإطلاق منصات حكومية إلكترونية تمكن المواطنين من الإبلاغ بسرية عن الفساد.
وفسح المجال لإشراك منظمات المجتمع المدني والجامعات في عمليات التدقيق والمساءلة.
5. الإصلاح الاقتصادي ومحاربة اقتصاد الفساد
بإصلاح النظام المصرفي لمنع غسيل الأموال الناتجة عن الفساد. وتقليل الاعتماد على الدولة كمصدر للوظائف عبر دعم القطاع الخاص وتوفير فرص عمل خارج هيمنة الفاسدين.كما يجب إصلاح نظام العقود الحكومية لمنع استغلالها في نهب المال العام عبر شركات وهمية.
6. تغيير الثقافة المجتمعية تجاه الفساد
بتعزيز الوعي العام بخطورة الفساد عبر المناهج الدراسية والإعلام.وفرض ثقافة المساءلة والمحاسبة حتى يُنظر للفاسد كخائن للوطن وليس كـ”ذكي ناجح”. والتاكيد على إطلاق برامج وطنية لتغيير العقلية السائدة التي ترى في الوظيفة الحكومية فرصة للثراء الشخصي بدلاً من خدمة الشعب.
محاربة الفساد ليست قضية قوانين فقط، بل تحتاج إلى إرادة سياسية قوية، إصلاح إداري عميق، ووعي مجتمعي رافض للفساد. بدون هذه العوامل، سيبقى الفساد متجذرًا، وستظل الهيئات الرقابية والقضائية تدور في دائرة ملاحقة الفاسدين دون القدرة على تجفيف منابع الفساد الأساسية.