محمود الهاشمي
لاشك إن (التغيير) الذي حدث بسوريا في الشهر الماضي وسقوط حكومة بشار الأسد بعد إنهيار الجيش السوري يعد
(صدمة) لدى كل الأوساط العالمية والمحلية، حيث مهما كانت (التحديات) لكن جيشاً يتم تدريبه وتأهيله على مدى خمسين عاماً ثم ينهار خلال أسبوع واحد وامام (فصائل مسلحة) وليس جيوشا قضية تحتاج إلى المزيد من القراءة والتمحيص.!
المشاركون في التخطيط لاسقاط حكومة بشار هم ثلاثة (أمريكا إسرائيل تركيا).
سقوط نظام الأسد أحدث تحولاً (خطيرا) بالمنطقة حيث أخلَّ بالتوازن بتراجع نفوذ الجمهورية الإسلامية وروسيا فيما رفع من منسوب نفوذ إسرائيل وأمريكا و(تركيا) بالمنطقة وفقاً للحسابات الجيوسياسية.
وبتراجع نفوذ إيران وروسيا تكون (محاور المقاومة) قد دخلت مرحلة معقدة بخسارة موقع مهم في ربط وشائج المحاور وهي تتجاوز عامها الأول في المنازلة مع العدو الصهيوني.
إختيار (موعد) التغيير بسوريا جاء بحسابات (إسرائيلية) لأن الجهة الحاكمة بإسرائيل تقدر ان موعد مجيء ولاية ترامب قربت وليس من السهل معرفة توجهاته وتعامله مع الأحداث وربما يكون له توجهات أخرى وتعامل مع ملف الشرق الأوسط عموما، وخاصة إن علاقته ببوتين الجيدة قد لاتقبل أن يكون هناك تحول في التوازنات على حساب روسيا بالمنطقة، وربما أيضاً ستكون لهُ رؤية أخرى بملف إيران.
الذي قاد وخطط للتغير بسوريا مدير مخابرات تركيا (خاقان فيدان) والذي يسمى (كاتم أسرار أردوغان) لذا ظهر (مزهواً) بعد نجاح الانقلاب وهو يجلس جوار (محمد الجولاني) في شوارع دمشق كمن يقول (نعم أنا وراء ماترون).
خاقان كان دقيقاً بالتخطيط سواء بالتخطيط مع (هيئة احرار الشام )او مع اسرائيل وأمريكا
في نجاح (الانقلاب) العسكري لكنه لم ينجح في تقدير (ملف السياسة) حيث الإتفاق مع أمريكا كان يقضي سحب أسلحة
قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وتسليمها للإدارة الجديدة ثم مشاركة كل الأقليات وأحزاب المعارضة (المتواجدين بسوريا) بالسلطة الجديدة لكن ذلك لم يحدث حيث تتجه الأنظار تحديداً نحو مدينتي عين العرب "كوباني" ومنهج، وسط تعقيدات ميدانية وتحركات دولية قد ترسم معالم جديدة للمشهد السوري المضطرب.
تتصاعد الاشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة والفصائل المسلحة المدعومة من تركيا.. فيما يتزايد الحديث عن التحركات الأمريكية في المنطقة عبر إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في مدينة كوباني شرق الفرات وشهدت المنطقة دخول شاحنات محملة بكتل إسمنتية بالإضافة إلى معدات لوجستية تضمنت غرفاً مسبقة الصنع وكاميرات مراقبة وصهاريج وقود وآلات حفر خنادق.
يأتي هذا التحرك بعد وصول رتل تعزيزات أمريكي جديد إلى كوباني تضمّن نحو 50 شاحنة في إشارة واضحة إلى عزم الولايات المتحدة تعزيز وجودها العسكري في المنطقة.
ومع تصاعد التوترات أرسلت واشنطن رسائل تحذيرية ناعمة إلى تركيا تدعوها لعدم مهاجمة "قسد".. ورغم هذه الدعوات تؤكد أنقرة أنه لا خيار أمام القوات الكردية سوى إلقاء السلاح، وتبدي تركيا اعتراضاً على تعزيز الوجود الأمريكي في كوباني معتبرةً ذلك تهديداً مباشراً لمصالحها الاستراتيجية.
يرى محللون أن التطورات الأخيرة بما فيها إنشاء القاعدة العسكرية في كوباني واستمرار الاشتباكات في منبج تعكس مرحلة جديدة من التصعيد قد تدفع المنطقة إلى الانفجار. فبينما تسعى الولايات المتحدة لتعزيز استراتيجيتها طويلة الأمد في المنطقة، تواجه الأطراف المتصارعة خطر الانجرار إلى صراع أكثر تعقيداً في ظل غياب حلول سياسية واضحة، ويكفي إيضاحاً لذلك في قلق تركيا من عدم وفاء أمريكا بإلتزاماتها أن الرئيس أردوغان قال خلال كلمة في فعالية المؤتمر الإقليمي العادي بنسخته الثامنة لحزب العدالة والتنمية الحاكم بولاية سامسون شمال تركيا:
"مصمّمون تماما وبكلّ عزم على أن ننقذ البلاد بشكل كامل وتام، من الإرهابيين الانفصاليين الذين استخدمتهم القوى الإمبريالية الاستعمارية لأكثر من أربعين عاما").
وقال أيضا (إما أن يَدفن الإرهابيون أسلحتهم، أو أنهم سيُدفنون مع أسلحتهم تحت الأرض) في إشارة إلى (قسد) وإلى حزب العمال الكوردستاني (بككة).
في الجانب الآخر فان تركيا التي بنت تصوراتها أن تكون الحاكم الفعلي لسوريا وصناعة مستقبلها سارعت الحكومة السورية الجديدة بتشكيل وفد كبير لزيارة الرياض والحديث عن مستقبل سوريا فيما تدفقت المساعدات السعودية على دمشق، فيما هناك حديث عن علاقات أوسع مع مصر والأردن، ناهيك عن تدافع الغرب على سوريا والزيارات المكثفة للمسؤولين الغربيين والتخطيط لشكل وبنية الحكومات المستقبلية لسوريا وكأن (تركيا) الغائب عن (المعادلة) ناهيك انه ضمن الإتفاق مع سوريا خروج المقاتلين الأجانب من سوريا فيما منحت حكومة سوريا الجديدة (الانتقالية) بعضا منهم مناصب حكومية مهمة، وبات ظهورهم بالشارع الدمشقي عاديا.. كان من المفروض أن تكون هناك دعوة إلى (المعارضة السورية) التي تعيش في تركيا باعتبار ان هؤلاء حضروا مؤتمرات (أستانا) ويمثلون رقماً مهماً في المعادلة السياسية لأي إدارة حكم جديدة، لكن إدارة الجولاني ترفض دخولهم العملية السياسية ومشاركتهم متهمة اياهم بانهم كانوا (تابعين لروسيا) كما إن أحد هؤلاء المعارضة حضر إلى دمشق بعد الانقلاب ورغم إعلانه (الاستقلالية) إلا إنه وجد اهمالاً كبيراً لحضوره..
تركيا صنفت (هيئة تحرير الشام) التي يقودها الجولاني عام ٢٠١٨ على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية ثم وضعتها في قائمة الكيانات المثيرة للقلق متهمة إياها بارتكاب انتهاكات خطيرة بشكل خاص للحرية الدينية، وفي العام نفسه أفاد مرسوم صدر عن الرئاسة التركية ونشر في الجريدة الرسمية بان تركيا صنفت هيئة تحرير الشام منظمة ارهابية..
إن هذا السجل يقابلة سجل أمريكا في تصنيف الهيئة وقائدها بالارهاب تحتاج إلى زمن طويل لترويض الواقع وقبول التعامل بين حكومة تركيا التي تبنت (التآمر) وإسقاط حكومة الأسد وبين إدارة (مصنفة بالارهاب) وتدرك مخاطر تركيا عليها..
تركيا عكس إسرائيل حيث ترغب إسرائيل إلى تقسيم سوريا إلى أقاليم ودويلات ضعيفة تتناحر فيما بينها لتبقى حدودها محمية وآمنة وبين تركيا التي ترغب أن تكون سوريا موحدة
لتهيمن على قراراتها وتبعد اي تمرد (كوردي) ضدها..
لذا تجد أن (الدروز) أول من تمرد على قرارات الحكومة الجديدة بمنعهم دخول قوات العمليات المسلحة الجديدة.
وأكد الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري، ان المنع جاء بسبب عدم وجود حكومة ممثلة للجميع ومازالت (انتقالية) وهذا كان مع العلويين ايضا.
هيئة أحرار الشام تشكلت من عدد كبير من الفصائل المسلحة
المصنفة بـ(الإرهاب) وعاشت معارك فيما بينها لأعوام طويلة
وهناك سفك دماء وسجون وغيرها وهذهِ الفصائل التي اندمجت ليست على قلب واحد
وخلافاتها عقائدية وبينها تاريخ من الدماء والحروب.. وهي مهيئة للعودة فحتما بينهم رؤى سياسية ولانعرف كيف ستنتهي الأمور في دمشق..
هناك إجماع بالأوساط الإسلامية والعربية ان تركيا سبب في ضياع فرصة الإنتصار على الجيش الصهيوني وبقيادتها التحول بسوريا تكون قد خنقت محاور المقاومة وتسببت في احتلال أراضي عربية جديدة من سوريا
كذلك فإنها (غدرت) بايران التي تقود محور المقاومة وهذا أمر يجعل من إيران تعيد النظر بعلاقتها بتركيا التي وقفت معها يوماً في ظروفها الصعبة.