جليل هاشم البكاء ||
في تاريخ الإنسانية، تظهر شخصيات تتجاوز الزمن وتترك بصمات لا تُمحى في سجلات الكفاح من أجل العدالة والحرية. من بين هذه الأيقونات، يقف الشيخ نمر باقر النمر، رجلٌ أعطى للعالم درسًا في الصمود والشجاعة، وسطر بدمائه الطاهرة ملحمة في مواجهة الظلم والاستبداد …
الشيخ النمر: مولد قائد ومسيرة مقاوم …
ولد الشيخ نمر باقر النمر في عام 1959 بقرية العوامية في المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية. نشأ في كنف بيئة متواضعة، لكنه سرعان ما أظهر نبوغًا في الفكر والعلم والدين. أبحر في دراسة العلوم الدينية، وسعى لتطوير ذاته ليصبح واحدًا من أبرز العلماء والمدافعين عن حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية في العالم الإسلامي …
الشيخ النمر لم يكن مجرد رجل دين، بل كان رمزًا للمقاومة الفكرية ضد الأنظمة التي تسعى إلى قمع الشعوب. تبنى خطابًا صريحًا وجريئًا، حيث دعا إلى العدالة الاجتماعية، والمساواة، ونبذ الطائفية. كان يُعرف بشجاعته في التصدي للفساد والقمع الذي مارسته السلطات الوهابية في السعودية، وخاصة ضد الأقليات …
دعوة الإصلاح والعدالة …
كانت خطب الشيخ النمر مليئة بالحماسة والدعوة إلى الإصلاح. نادى بمبادئ إنسانية شاملة، تجاوزت حدود الطائفة والدين، ودعا إلى الكرامة لكل فرد من أفراد المجتمع. وفي وجه التمييز الطائفي والممارسات القمعية، طالب بحقوق الشيعة في المنطقة الشرقية، الذين يعانون من التهميش والاضطهاد لعقود طويلة …
لم يكن الشيخ النمر داعيًا للعنف، بل كان يؤمن بالكلمة كأقوى سلاح ضد الطغاة. حارب بفكره وكلماته، وكان شعاره دائمًا أن الحرية تستحق التضحية.
صرخة في وجه الطغيان …
في عام 2012، اعتقلت السلطات السعودية الشيخ النمر بطريقة وحشية، وعرضته لمحاكمة غير عادلة بتهم واهية تهدف إلى إسكات صوته. ورغم كل الضغوط والتهديدات، ظل صامدًا، لم يتراجع عن مواقفه، بل زادت عزيمته قوة وصلابة. وفي 2 يناير 2016، أقدمت السلطات السعودية على تنفيذ حكم الإعدام بحقه، مما أثار موجة من الغضب والاستنكار على مستوى العالم ..
استشهاد الشيخ النمر لم يكن نهاية، بل كان بداية لمرحلة جديدة من الكفاح ضد الظلم. دماؤه الطاهرة أصبحت رمزًا للتضحية، وأيقونة للإصرار على الحق …
إرث الشيخ النمر: شعلة لا تنطفئ
اليوم، وبعد مرور سنوات على استشهاده، لا يزال الشيخ نمر باقر النمر حاضرًا في وجدان الشعوب التي تؤمن بالحرية والعدالة. سيرته تمثل دروسًا عميقة في الشجاعة، والتزامًا لا يتزعزع بمبادئ الإنسانية. يجب أن نحيي ذكراه ونورث الأجيال القادمة قيمه النبيلة، ونستلهم من شجاعته وصبره القدرة على مواجهة التحديات ..
إن إحياء ذكرى الشيخ النمر ليس مجرد استذكار لماضٍ مضى، بل هو تأكيد على أن صوت الحق لا يمكن أن يُسكت، وأن إرادة الشعوب أقوى من أي طاغية. لقد أصبح الشيخ النمر رمزًا عالميًا للنضال، وأيقونة خالدة تضيء درب المستضعفين في كل مكان.
رحم الله الشيخ نمر باقر النمر، وأسكنه فسيح جناته …
