![](pic/2024//2460af4814.jpg)
الحقوقي - حيدر عبدالرزّاق النّصراوي
مِمَّا وَرد فِي وَصيّةِ رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عليهِ وَآله لأَميرِ المُؤمنين سلامُ اللهِ عليهِ (الكافي للعلامة الكُليني ج1 ص281): (يَا عَلِيُّ؛ تَفِي بِمَا فِيهَا مِنْ مُوَالاَةِ مَنْ وَالَى اللهَ وَرَسُولَهُ، وَاَلْبَرَاءَةِ وَاَلْعَدَاوَةِ لِمَنْ عَادَى اللهَ وَرَسُولَهُ، وَاَلْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ عَلَى اَلصَّبْرِ مِنْكَ وَعَلَى كَظْمِ اَلْغَيْظِ وَعَلَى ذَهَابِ حَقِّكَ وَغَصْبِ خُمُسِكَ وَاِنْتِهَاكِ حُرْمَتِكَ …).
▫️نقلَ لنا التّاريخُ الكثيرَ منَ المواقفِ التي عبّرَ فيها الإمامُ عليٌّ عليهِ السّلام (الاحتجاج للعلامة الطبرسي ج1 ص89)، عَن إحتجاجِه ورفضِه لحُكمِ الخلفاءِ الثّلاثةِ، فلم يدَع فرصةً في طولِ فترةِ حُكمِهِم إلاّ وأقامَ الحجّةَ عَلىٰ الجميعِ بأنّه أولىٰ بالخلافةِ مِن غيرِه، ومِن بينِ إحتجاجاتِه قوله: (يا مَعاشِرَ المُهاجِرينَ والأنصار، الله الله لا تَنسوا عَهدَ نبيِّكُم إليكُم في أمري، ولا تُخرجوا سُلطانَ مُحَمَّدٍ من دارِه وقعرِ بيتِه إلىٰ دُورِكم وقَعرِ بيوتِكم، ولا تدفعوا أهله عَن حَقِّه ومقامِه في النّاس، فَوَ الله مَعاشرَ الجمعِ، إنَّ اللهَ قَضَىٰ وحَكَم ونبيُّه أعلم وأنتُم تعلمونَ بأنَّا أهلُ البيتِ أحَقُّ بهذا الأمرِ منكُم، أَمَا كان القارئُ مِنكُم لكتابِ اللهِ، الفقيهُ في دينِ الله، المُضطَلِع بأمرِ الرَّعيَّة، واللهِ إنّه لَفِينَا لا فيكم، فلا تَتبَعوا الهوى فتزدَادُوا منَ الحَقِّ بُعداً، وتُفسِدوا قَديمَكم بشرٍّ مِن حَديثِكم) وبذلكَ إنحصرَ المسارُ السّياسيُّ لأميرِ المؤمنينَ بالمُعارضةِ السّلميّةِ للسّلطةِ التي تحكّمَت على الأمرِ في المدينةِ.
▫️فِي مَجالِ العُلوم العسكريَّة والتي تضمُّ مبادئ النِّزاع العسكريّ والعمليَّات الحربيَّة، يكون استخدام القوَّة وَسيلة لتحقيقِ الأهدافٍ السياسيَّة والعسكريّة. وَيُقسم القادّة العَسكريون السُّوڤييت عِلم وفَن الحّرب إلىٰ ثلاثةِ مُستويات (الجغرافيا العسكرية، قاسم الدويكات، ص 42- 43) هيَّ: الاستراتيجية، العملياتية والتَكتيكيّة، وَتَتم عَملية التَخطيط للحَّربِ عَلىٰ مُستوياتٍ عديدةٍ، تَبدأ بالقيّادةِ السياسيّةِ التي تَرسِم وَبالتعاوِن مَع القيّادَة العسكريّة العُليا أو قيادات الأحلافِ العسكريَّة الاقليميةِ أَو العالمية استراتيجية الحَّرب (Military Strategy)، وَالأهداف العامّة المَرجوَّة مِنها وَالقيادة السياسيّة أيضاً هيَّ المعنيّة باستِثمار نتائِجِ الحَّرب أثناءِ قيامِها أو بعدَ انتهائِها، حيث يُؤخذ بعينِ الاعتبار كلّ الظروف السياسيّة وَالاقتصادية والاجتماعيّة بالإضافةِ للاعتبارات العسكريَّة.
▫️ذَكَر الفَيلسوف الصّيني صَان تِسو فِي كتابهِ التاريخي (فن الحرب، الاستراتيجيات وَالتكتيكات التي غيّرت مسَار الحُروب عبر التاريخ)، أن الإتقان الحقيقي في الحروب لا يكمُن بالضرورةِ في الفوز في كلِّ معركةٍ ولكِن، في الفوز دون قتالٍ من خلال استراتيجيات متفوقة يُمكن للمرء أن يتفوق عَلىٰ العدوِّ، ممّا يُجبرهم عَلىٰ الاستسلام دون مواجهة مباشرة، هذهِ هيّ قِمَّة الاستراتيجية الهِجومية وَبالتالي هزيمة العدوّ من خِلال الاستراتيجية والذكاء بدلاً من القوَّة الخام.
▫️ليسَت الحَرب نَتيجة حتميَّة، بَل هي أداة لإثارة التحوّلات السياسيَّة والإقليمية، وَتَعزيز ظِهور تَحَالفات وائتلافات جديدة وإعادة تعريف الحدود، مَا يُؤدي إلىٰ التغيير في ديناميكيات السلطة، ومِن المُمكن أن تؤدي الاشتباكات العسكرية إلىٰ إعادة ضبط توازن القوىٰ الإقليمية، ممَّا يؤدي في الوقت نفسه إلىٰ تقويض وتمكين حُكومات وفصائِل مُحدَّدة (سارة نيومان، محللة سياسية متخصصة في العِلاقاتِ الدوليَّة والدراسات الأمنية وسياسةِ الشَرق الأوسَط).
▫️إنَّ الحَرب الجارية فِي سوريا مَا هي إلاّ جُزء مِن حَربٍ عَلىٰ مستوى استرَاتيجيٍّ بالنسبة لدولِ مِحور المُقاومة مِن جانبٍ والكيان وَحُلفائِهِ من جهةٍ أُخرىٰ، وَبِما أنَّ زِمام الأُمور فيمَا يَتعلّق بقَرارات الحَرب لمِحور المُقاومة خاضعٌ لرؤيةٍ سياسيَّة مُتمثلة بالدور المَرجعيّ فِي قيادة الاُمّة، والذي تَمخَّض عَن قَول لأَميرِ المُؤمنين سلامُ اللهِ عليهِ (شرح نهج البلاغة ج20 ص 312 - 588): كُن فِي الحَربِ بِحيلتِك أوثَق مِنك بشدَّتك، وَبِحذرِك أفرَح مِنك بنجدَتِك فإنَّ الحربَ حربُ المُتهوِّر وَغنيمة المتحذِّر، فَمَا علينا اليوم إلاّ الإنصياع وَراء مَا تَراه مَرجعيتنا الرشيدة مُناسِباً وَالإلتِزام بأَوامِرها وَأن لا نَنجَرَّ خَلف الفِتن والمُهاترات السياسيَّة.