الحاج ابو عدي البدري
بسمه تعالى
إطعام الطعام
قال الله تعالى: (وأطعموا القانع والمعتر ) . من الممكن أن تلغي عدة متطلبات من حياتنا إلا أن هناك شيئاً واحداً، لا مناص من الركض وراءه، والجهاد لتحصيله وهو الطعام.
فقد يستطيع الإنسان أن لا يتعلم، أو أن لا يقرأ أو أن لا يكتب، ولكن الأمر الذي لا يمكنه التنازل عنه أبدأ هو: أن لا يأكل فلا يستطيع الإنسان أن يلغي بطنه من الحياة. والذي يحاول ذلك
سيموت جوعاً.
وكم نقل لنا التاريخ، أخبار جيوش انتصرت على جيوش أخرى، لأن الأولى استطاعت أن توقف المعادلة، هذا بالنسبة للطرف الثاني، فقطعت عنها إمدادات التموين بمقدار ما يحتاج الإنسان
إلى الطعام، له ذات المقدار من الأجر حينما يؤمنه للآخرين. وإذا رجعنا للقرآن، فإنا نرى أن من جملة النعم التي يسبغها
(۱) سورة الحج الآية، ٣٦.
الله سبحانه وتعالى علينا بشكل دائم، هي إطعامنا الطعام.
يقول تعالى:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعِ وَآمَنْهُم
مِنْ خَوْفٍ) .
صدق الله العلي العظيم
وإذا كان المطلوب منا كمسلمين ، أن نتخلق بأخلاق الله ، فجدير بنا أن نتعلم كيف نطعم الآخرين وكيف نؤمن الخبز للناس؟ ثم إن الإطعام جزء من العملية التربوية لأن المطعم في الحقيقة
ينفق أمرين
الأول: المال .
الثاني الجهد.
ولهذا فقد جعل الله الإطعام كفارة أساسية لذنوب كثيرة أو جعله جزءاً من الكفارة في تنوب أخرى ذلك لأن الإطعام له الأثر الكبير في توطيد دعائم الأخوة في المجتمع
وهو مثل الهدية
والمصافحة والتبسم في الأجر والثواب والآثار الاجتماعية. ولكي نعرف أهمية الإطعام ، تذكر قصة نبي الله إبراهيم عليه
مع أحد الملحدين .....
يذكر أن إبراهيم الخليل عليه كان لا يأكل إلا ومعه غيره، وكان أحياناً يخرج إلى قارعة الطريق ، ليطلب من أي إنسان يجده ،
(1) سورة قريش : الآية ٣ - ٤
أن يأتي إليه ويشاركه الطعام .
وذات مرة رأى رجلاً قد اشتعل رأسه بالشيب، فطلب منه أن
وحين وضع الطعام، طلب
يأتي معه إلى بيته، ليأكل معه ما رزقه الله تعالى. وقبل الرجل الدعوة وجاء معه
إبراهيم منه أن يسمي بالله، ثم يأكل الطعام فقال الرجل: ومن الله ؟!.
قال له إبراهيم : ربنا وخالقنا ..
إلا أن الرجل رفض ذلك ولم يستم.
فالتفت إبراهيم الخليل إليه وقال:
لو كنت أعلم أنك لن تسمي باسم الله جل شأنه)، لما طلبت منك أن تدخل داري، وتأكل معي.
فغضب الرجل وألقى اللقمة التي بيده، وخرج من الدار منكفئاً. فبدا الارتياح على
وجه إبراهيم عليه، لأنه لم يطعم من يرفض
أن يذكر اسم الله .
وما هي إلا لحظات ونزل عليه الوحي قائلاً: يا إبراهيم !
أطعمناه ستين عاماً، ولم نسأله أن يسمينا فلم منعته من الطعام
المرة واحدة حين رفض أن يسم؟.
فخرج يبحث عنه وحين وجده ودعاء إلى بيته من جديد
تعجب الرجل وقال:
الصداقة والأصدقاء
لقد قلت لي لو كنت أعلم أنك لن تسمي باسم ربك، لما طلبت منك أن تدخل داري وتأكل معي : والآن تطلب مني أن أرجع لأعاود الأكل معك، بعد أن عرفت أنني لا اسمي باسمه؟ فقال له إبراهيم اللي لقد عاتبني ربي على ما قلت لك ... وقال لي: أطعمناه ستين عاماً ولم نطلب منه أن يسمينا .. فاستيقظ ضمير الرجل، وطلب من
إبراهيم أن يعرفه بربه ثم أمن على يدي إبراهيم .
ولقد جاء في الدعاء عن الإمام السجاد : يا من يعطي من سأله، يا من يعطي من لم يسأله، ومن لم يعرفه تحنناً منه ورحمة !
إن الإطعام كأي مستحب إسلامي أخر، له فائدة مزدوجة
دنيوية وأخروية. فدنيوياً في الإطعام شحذ للصفات الإنسانية السامية كالكرم والحب والإخلاص، كما أنه طريق لكسب المزيد من الأصدقاء والإخوان، وهو مؤثر في شد الأواصر في المجتمع .
أما أخروياً فإن له ثواب كبير عند الله سبحانه وتعالى) ويكفي أن يكون أحد أنواع الكفارات التي تغسل بها الإنسان ذنوبه ويزكي به نفسه.
وقد جاء في الحديث عن الإمام علي عليه قوله الثن أصنع صاعاً من طعام، وأجمع عليه إخواني في الله ، أحب إلي من أن أعتق رقبة».
هكذا وقد تسأل:
لماذا ؟
والجواب :
يقول أبو بصير : قلت للإمام الصادق انه لا أتغدى ولا اتعشى إلا ومعي . اثنان أو
ثلاثة، أو أقل أو أكثر .
فقال له الإمام علي :
طعامي، وأنفق عليهم فضلهم عليك، أعظم من فضلك عليهم. فقلت: جعلت فداك، كيف وأنا أطعمهم
من مالي، ويخدمهم خدمي وأهلي، وهم أصحاب الفضل علي ؟!». فقال الإمام:
إنهم إذا دخلوا عليك، دخلوا برزق كثير، وإذا خرجوا، خرجوا بالفقر، فالضيف يدخل برزقه، ويذهب بذنوب أهل الدار فهو صاحب الفضل عليك، وهذا الرزق ليس من عندك، بل هو
من عند الله (عز وجل) وفي بيتك على كل لقمة مكتوب :
هذا لفلان ابن فلان لا يأكل رزقك غيرك، ولن تأكل رزق
(۱) بحار الأنوار ج ۷۷، ص ١٦٥
الآخرين .
ويقول الإمام الرضا عليه السلام :
الصداقة والأصدقاء
إنهم يأكلون أرزاقهم، ويخرجون بذنوبك، وذنوب عيالك
وعن سدير - أحد أصحاب الإمام الباقر عليه السلام قال :
قال لي أبو جعفر :
يا سدير ، هل تعتق في كل يوم نسمة ؟ .
قلت: لا !.
قال: ولا في كل شهر، تعتق رقبة !
قلت: لا.
قال: ولا في كل سنة ! .
قلت: لا.
قال: سبحان الله ! أما تأخذ بيد أخيك في الله، وتدخله بيتك، وتطعمه ؟ فو الله ، لذلك أفضل من عتق رقبة من ولد إسماعيل ! ".
ويقول رسول الله(ص) :
من أطعم مؤمناً من جوع، أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقاه من ظماً ، سقاه الله
من الرحيق المختوم.
ويقول الإمام الصادق ال:
(1) أصول الكافي، ج ۲، ص ١٨٥
(۲) صول الكافي، ج ۲، ص ۲۰۲
كربته، وإكساء عورته.
ثلاثة من أفضل الأعمال: شبعة جوعة المؤمن، وتنفيس
وعن رسول الله ﷺ قال:
من أطعم ثلاثة نفر من المسلمين، أطعمه الله من ثلاث جنان في ملكوت السماء، والفردوس، وجنة عدن غرسها الله
بیده.
ويقول الإمام الصادق عليه السلام المنجيات التي تنجي الإنسان من العذاب إطعام الطعام
وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام ولو تبصرنا في الحديث لوجدنا، إن
إطعام الطعام يأتي في الترتيب قبل صلاة الليل... ذلك لأن ربنا (عز وجل) لا يريد
منا عبادة فقط ، بل يريد منا أن نتخلق بأخلاقه والعبادة هي وسيلة من الوسائل لذلك
يان لم تؤد إلى هذا الغرض، تكون هباءاً منثوراً
الزبد الذي يذهب جفاء
تم من صائم، ليس له من صومه إلا الجوع والعطش
وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب» !".
يقول رسول الله ﷺ :
(۱) أصول الكافي، ج ۲، ص ۲۰۱
(۲) المحاسن، ص ۳۸۷
(۳) بحار الأنوار ج ٩٦ ، ص ۲۸۹