![](pic/2024//198874c0a2.png)
د. عامر الطائي ||
ما أشبه اليوم بالأمس! وما أقرب حديث الماضي من حديث الحاضر، حين نطل على مواقف الإنسانية، فنجد عبرًا ودروسًا تجسدت في لحظات مفصلية من التاريخ، لعلَّ أبرزها وأثراها ما جرى في أرض كربلاء.
إنَّ من عظمة تلك الواقعة أنها لم تكن مجرد صفحة عابرة في تاريخ الصراع بين الحق والباطل، بل كانت نبراسًا أضاءت بها كل شجاعة وإقدام. فعدد الذين جادوا بأنفسهم في تلك المعركة لا يعدو كونهم بضع عشرات، ولكنهم أعطوا للحياة وللأجيال معاني العزم والإرادة، فلم يتوانوا ولم يترددوا ولم يقبلوا تأخير موقفهم ولو للحظة.
هؤلاء الشهداء أدركوا أهمية المبادرة وحسموا أمرهم في الوقت المناسب، فكانت لهم النصرة التاريخية، رغم أن الغلبة العسكرية لم تكن حليفهم.
ولنتأمل بعدئذ ما جرى لمن أتى بعدهم وتبع دربهم بعد حين، أولئك التوّابون الذين تضاعفت أعدادهم مرات عن شهداء كربلاء. ولئن قُتلوا في يوم واحد، كما قُتل من سبقهم، لكن ما تركوه من أثر في التاريخ لا يعدل قطرة في بحر ما تركه شهداء كربلاء. ولعلَّ العلة تكمن في تأخرهم عن النهوض، ذلك التأخير الذي بدّد قوة اللحظة التاريخية، وخفف من صدى موقفهم في وجدان الأجيال.
كم من شرفٍ ضاع لأجل التردد، وكم من فرصة فُقدت لضعف المبادرة! إنَّ التاريخ، وإن منحنا فرصًا لمراجعة أحداثه واستخلاص الحكم، إلا أنه لا يعيد تلك اللحظات التي فاتتها الشجاعة، فاللحظة إذا مضت لم تُستعاد. وإن دروس كربلاء هي في مضمونها دعوة للاستجابة السريعة لنداء الحق، لأن الزمن لا ينتظر المترددين، ولا يُكتب المجد إلا لمن هم على استعداد لأن يضحّوا بدمائهم، لا لمن يتأخرون حتى يُطوى الزمن وتبرد جذوة الصراع.
اعلم أن كل موقف يُعرض عليك في الحياة قد لا يُعرض مرةً أخرى، وأن تلبية نداء الحقّ والنصرة تأتي في وقتها لتكون ذا أثر، وإلا فسوف يمر التاريخ ويترك المترددين وراءه، يلحقهم الندم الذي لا يغير شيئًا.
إن العبرة التي يقدمها لنا أولئك الشهداء من كربلاء هي أن الموقف الحاسم لا يقبل التأخير، وأن من يريد أن ينصر قضيةً كبرى أو يقف في وجه ظلم عظيم، عليه أن يتخذ قراره في اللحظة المناسبة، وإلا فسيندم المتأخرون عن النصرة، وسيفوتهم مجدٌ لو أدركوه لخلدهم التاريخ.