![](pic/2024//1830c16b52.jpg)
ناجي ألغزي ||
/كاتب سياسي
محافظة ذي قار، وتحديداً مدينة الناصرية، كانت ولا تزال بؤرة ساخنة للتظاهرات والاحتجاجات على مدار السنوات الأخيرة. تصاعدت التوترات قبل يومين بشكل كبير في أعقاب تنفيذ الحكومة المحلية للدعاوى القضائية المتراكمة والصادرة من القضاء، والتي بلغ عددها أكثر من أربعة آلاف دعوة. كل دعوى من هذه الدعاوى تمثل طرفًا متضرراً أو مشتكياً، ولا يمكن تجاهلها أو إرجاؤها تحت أي ظرف كان، الأمر الذي يضع الحكومة الحالية أمام تحدٍ هائل في تنفيذ العدالة دون التساهل مع أي خرق للقانون.
دعاوى قضائية وتحقيق العدالة
الضغط المتزايد لتنفيذ الدعاوى القضائية لا يأتي فقط من المجتمع المحلي المتمثل بالمتضررين، بل أيضاً من السلطة القضائية التي تجد نفسها مضطرة للتحرك الجاد والفوري لمعالجة هذه القضايا وتصفيرها. الحكومة الحالية ممثلة بالسلطتين القضائية والتنفيذية، تواجه مسؤولية حتمية لتحقيق العدالة دون التنازل إلا بتنازل المشتكين أنفسهم. ومع ذلك، يبقى الحق العام حقّاً ثابتاً لا يمكن التهاون فيه، مما يعني أن المسؤولية تتجاوز مجرد حل النزاعات الفردية إلى إعادة هيبة الدولة وحماية مؤسساتها من الانهيار.
احتجاجات تشرين وما بعدها: تمرد أم طلب للحقوق؟
ما حدث في أيام تشرين وما تلاها من احتجاجات كان تجاوزاً صريحاً على مؤسسات ومقدرات الدولة. التظاهرات التي بدأت كمطالب إصلاحية، سرعان ما تحولت إلى تمرد على المؤسسات الحكومية والاعتداء على موظفيها، بل وتوسعت لتشمل حرق البنايات، وقطع الجسور، وإغلاق المدارس والدوائر. شوارع ذي قار شهدت حالة من الفوضى التي جعلت من الحياة اليومية للمواطنين كابوسا ً. فقد عاشت المحافظة انذاك شتى أساليب الرعب المتمثلة في إرهاب المواطن، وابتزاز المقاولين وأصحاب المشاريع، وحتى مدراء الدوائر الحكومية المهمة مثل البلدية وشركة نفط ذي قار وغيرها، باتت جزءا ً من واقع الحياة اليومية في المحافظة.
دور الحكومة الحالية: التحديات والتطلعات
الحكومة الحالية إذا أرادت فعلاً إعادة هيبة الدولة وتثبيت الاستقرار في محافظة ذي قار، عليها أن تتعامل بجدية مع هذه الدعاوى. على أن لا تكون مثل حكومة الكاظمي السابقة التي لم تكن على قدر المسؤولية والتحدي، حيث قامت بتسويف وترحيل معظم القضايا بتأثير سياسي واضح، وبدفع وتواطؤ من الحكومة المحلية السابقة ومن قبل المحافظ محمد هادي، وهو ما جعل الأمور تتفاقم. لا يمكن للحكومة الحالية أن تسير في نفس الاتجاه، حيث أن التساهل يعني مزيداً من الفوضى والابتزاز المستمر من قبل البعض ممن استفادوا من الوضع المتأزم لتحقيق مصالح شخصية.
ابتزاز الحكومة: السياسة في قلب الاحتجاجات
الاحتجاجات التي شهدتها ذي قار لم تكن جميعها نابعة من غضب شعبي حقيقي. البعض ممن ركبوا موجة التظاهرات أصبحوا اليوم جزءاً من السلطة التشريعية، ولا يزالون يعتمدون على ذات المنهجية في الضغط على الحكومة. باستخدام الشارع كأداة لتهديد الحكومة وابتزازها،حيث أصبحت هذه الممارسة أسلوب بائس وشائع ومعروف، حيث يعمد هؤلاء إلى تحريك الشارع مجدداً كلما أرادوا فرض أجنداتهم. الحرق وتعطيل الحركة، وشل المجتمع باتت أدوات و وسائل متكررة لفرض الإرادة السياسية.
الخلاصة
ما يحدث في ذي قار هو انعكاس لصراع أكبر بين الفوضى والنظام. الحكومة الحالية مطالبة بإعادة هيبة الدولة، ليس فقط من خلال تطبيق العدالة وتنفيذ الدعاوى القضائية، بل أيضاً من خلال محاربة الابتزاز السياسي والإعلامي والحد من استخدام الشارع كوسيلة لتهديد استقرار المجتمع.
والمحافظة على استقرار ذي قار يتطلب أكثر من مجرد استجابة فورية للاحتجاجات؛ يتطلب التزاماً طويل الأمد بتثبيت سيادة القانون وحماية مؤسسات الدولة من الانهيار.