السبت 8 فبراير 2025

  • القسم الرئيسي : مقالات .
        • القسم الفرعي : المقالات .
              • الموضوع : نقل الحرب إلى داخل إسرائيل: بداية الحل (إستراتيجية لإنهاء حرب الشرق الأوسط) .

نقل الحرب إلى داخل إسرائيل: بداية الحل (إستراتيجية لإنهاء حرب الشرق الأوسط)

 

 

 

 

إبراهيم نوار

أظهرت استراتيجية الحرب الإسرائيلية خلال الـ12 شهرا الأخيرة، أنها استراتيجية خطية فقيرة المحتوى، عسكريا وسياسيا. استراتيجية حرب بلا مخرج، تستمد قوتها من محركين أساسيين، الأول هو الإفراط إلى أقصى حد في استخدام القوة الغاشمة، باعتبارها الوسيلة المطلقة لتحقيق الأهداف. والثاني هو الاعتماد المطلق على الولايات المتحدة في الدعم السياسي والعسكري، باعتبارها المصدر الرئيسي للإمدادات، والملاذ الأخير للاحتماء من المخاطر، والإفلات من الجرائم بلا عقاب. 

ولا يتم تقييم استراتيجية الحرب، أي حرب، بما تحققه من قتل ودمار وخراب، فتلك هي معايير قياس الحروب البربرية الوحشية. وإنما يتم تقييم الحرب بما تفرزه من النتائج، التي تعزز الاستقرار والسلام والرخاء وإنهاء وجود محركات العداء.

وبعد عام من بدء حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وهي الحرب التي اتسعت بهدف إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بأكمله، لوضع تلك المنطقة تحت الهيمنة الإسرائيلية، فإن كل الدلائل تبرهن على أن غياب استراتيجية للخروج من الحرب exit strategy يعني أنها سوف تمتد، حتى يتم تشكيل تحالف دولي يمنع إسرائيل من مواصلتها.

وإذا عدنا إلى استلهام تاريخ الإنسانية الحديث، فإن حرب هتلر ضد الشعوب الأوروبية، لم تتوقف إلا بعد تشكيل تحالف دولي عسكري، استطاع نقل الحرب إلى داخل الدولة النازية نفسها، حتى أسقطها. لقد استطاع هتلر بسهولة، خلال أقل من سنة (من سبتمبر 1939 حتى مايو 1940) أن يحتل 7 دول أوروبية هي، بولندا والدنمارك والنرويج وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ وفرنسا، لكن هجوم هتلر على أوروبا لم يبدأ في التباطؤ إلا بعد نقل الحرب إلى داخل ألمانيا النازية، حتى انتهت الحرب بهزيمتها. 

إن مسؤولية وقف النازية الجديدة في الشرق الأوسط لا تقع على عاتق جثث الضحايا، وإنما تقع بقدر أكبر على المجتمع الدولي والإقليمي. وحتى الآن فإن هذا المجتمع بكل ما فيه من قوى ومؤسسات وقوانين وأعراف، سقط سقوطا مدويا على المستوى الرسمي، في وضع استراتيجية للخروج من الحرب، التي تتسع في الشرق الأوسط، وتزداد مخاطر تحولها إلى حرب عالمية ثالثة، بعد أن امتدت نيرانها المباشرة من الضفة وغزة إلى لبنان واليمن والعراق وسوريا وإيران.

في أقل من سنة احتلت قوات ألمانيا النازية أراضي 7 دول أوروبية، ولم يتغير ميزان القوى في الحرب العالمية الثانية إلا بنقل الحرب إلى داخل ألمانيا نفسها.

كذلك فإن استراتيجية الحرب البربرية المتوحشة الإسرائيلية تنطوي على خلل هيكلي يؤكد فقرها وهشاشتها، يتمثل في إسقاط دور السياسة والدبلوماسية، واحتقار قيمة القوانين والمؤسسات الدولية، والقيم والأعراف البشرية. 

وقد أدى هذا الخلل إلى فشل استخدام الدبلوماسية كقناة لتيسير الوصول إلى مخرج من الحرب وإنهاء القتال. ولم تنجح الدبلوماسية عمليا خلال 12 شهرا الماضية إلا مرة واحدة في صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين، التي تمت في شهر نوفمبر الماضي. بعدها، فشلت الدبلوماسية في إبرام صفقة ثانية، وفشلت قبلها في منع الهجوم البري على غزة، ثم فشلت في منع اقتحام رفح، وفي توفير المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، وفي حماية الطواقم الطبية وطواقم الإغاثة الإنسانية، وفي عدم استهداف المدنيين. كما فشلت الدبلوماسية فشلا ذريعا في تحويل الحرب إلى فرصة لإعادة الحياة إلى حل الدولتين. 

وفشلت الدبلوماسية في منع دخول القوات الإسرائيلية إلى جنوب لبنان، وفي إلزام إسرائيل أو إقناعها بعدم ضرب العاصمة بيروت. كما تم استبعاد اللجوء إلى الوسائل الدبلوماسية في إيجاد حلول لضمان أمن الملاحة في البحر الأحمر، أو وضع نظام لتحييد استخدام الملاحة فيه لتحقيق أهداف عسكرية في الحرب. وفشلت الدبلوماسية حتى في إلزام إسرائيل بقرارات الشرعية الدولية، التي صدرت عن مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية. وفشلت الدبلوماسية في بناء منصة أو عقد مؤتمر لتعزيز فرص وقف الحرب وتعزيز السلام في الشرق الأوسط. 

هذا الفشل يجسد شقوقا شديدة الخطورة في النظام السياسي الدولي، تقف وراءها الولايات المتحدة الأمريكية، التي جعلت إسرائيل دولة فوق القانون الدولي، وفوق الشرعية العالمية، تنعم بالحصانة والقدرة على الإفلات من العقاب، رغم كل ما ترتكب من جرائم ضد الإنسانية.

ولولا القنابل الأمريكية الخارقة للأعماق ما وصلت إسرائيل إلى حسن نصر الله ورفاقه. ولولا طائرات بوينغ الأمريكية لإعادة التموين بالوقود في الجو ما وصلت إسرائيل إلى ميناء الحديدة اليمني. ولولا الكم الهائل من الذخائر والصواريخ الأمريكية ما استطاعت إسرائيل أن تسوي أكثر من ثلاثة أرباع قطاع غزة بالأرض. ولا استطاعت أن تضرب جنوب لبنان وتحتله. لولا الأسلحة الأمريكية والحصانة الدبلوماسية ما استطاعت إسرائيل أن تقتل وتصيب أكثر من 150 ألف فلسطيني أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، وأن تشرع مع بداية العام الثاني للحرب في تهجير نحو ربع مليون فلسطيني من شمال غزة.

هذه الاستراتيجية الخطية الفقيرة، رغم وحشيتها، لم تحقق لإسرائيل حتى الآن أهداف الحرب التي تشنها في الشرق الأوسط، وإنما جعلتها في واقع الأمر دولة منبوذة عالميا، بقوة القرارات الدولية، وقوة الرأي العام العالمي، خصوصا بين أنشط قطاعات السكان سياسيا في كل قارات العالم، وهم الشباب وطلاب الجامعات أبناء «جيل زد» وجيل الألفية. أما على الصعيد العسكري؛ فإنها انتهت إلى مقدار فادح من القتل والدمار لم يشهده العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. 

وعلى العكس مما أرادت إسرائيل، ذلك فإن هذه الاستراتيجية أدت إلى تحول نوعي على الجانب الآخر، حيث وجدت المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وفي دول ومنظمات محور المقاومة بشكل عام، أن الرد الموضوعي عليها هو نقل الحرب إلى داخل إسرائيل. وهو اتجاه نراه يتعاظم حاليا. وربما يكون له أثر يشبه ذلك الذي أحدثته قوات الحلفاء، بنقل الحرب إلى داخل ألمانيا النازية.

نقل الحرب إلى داخل إسرائيل يضرب المحرك الأول لاستراتيجية الحرب الإسرائيلية، لأنه يجبر الجيش الإسرائيلي على تجنيب جزء من قوته لأغراض الدفاع عن الجبهة الداخلية، كما أنه يضع القيادة الإسرائيلية مرة أخرى أمام امتحان صعب. 

وفي مواجهة المحرك الثاني الذي يتمثل في التأييد الأمريكي المطلق عسكريا واقتصاديا ودبلوماسيا، فمن الضروري ممارسة كل الضغوط على الولايات المتحدة لوقف إمدادات السلاح والتمويل، ووقف الحصانة السياسية التي توفرها لإسرائيل لتشجيعها على العدوان، وتحصينها من العقاب. 

لقد آن الأوان لكي تستخدم دول الشرق الأوسط سلاح الضغط على الولايات المتحدة وتهديد مصالحها في المنطقة، ليكون ذلك هو المعادل السياسي الموضوعي للضغوط التي تمارسها جماعات الضغط الموالية لإسرائيل داخل مؤسسات صناعة القرارات الأمريكية. وفي هذه الأسابيع الحرجة، السابقة للتصويت في الانتخابات الرئاسية، من الضروري أن يكون للشرق الأوسط صوت قوي في واشنطن غير صوت إسرائيل، وجماعات للضغط غير الجماعات الإسرائيلية، وأن يجد الشباب الأمريكي المتضامن مع صمود المقاومة الفلسطينية أصداء التضامن العربي والشرق أوسطي تتردد هناك قوية جسورة.

وتواجه الحكومة الإسرائيلية في الوقت الحالي معضلة الاختيار بين الإسراع في شن حرب جديدة عبر الحدود مع إيران، وتحقيق أهداف الحروب المفتوحة في لبنان والضفة الغربية وقطاع غزة، خصوصا مع احتمالات زيادة نشاط مقاتلي حزب الله رغم الخسائر التي تعرضوا لها، واستمرار قوة المقاومة في غزة والضفة الغربية.

 ويبدو لنا أن الولايات المتحدة وإسرائيل، اتفقتا على تقسيم العمل العسكري الإقليمي تكتيكيا، بأن تتولى الولايات المتحدة المسؤولية العسكرية عن ردع القوى التي لا تقع على الحدود المباشرة مع إسرائيل. ويشمل ذلك اليمن والعراق وإيران. لكن هذا لا يعني التوقف عن استمرارهما في دراسة كيفية الرد على إيران، في إطار اتفاق بين الدولتين الحليفتين مع شركائهما الإقليميين.

 كما يتضمن الاتفاق، كما نعتقد،  أن تركز القوات الإسرائيلية على الحرب في لبنان أكثر من أي شيء آخر، واستعداد الولايات المتحدة للوقوف بجانبها إذا احتاجت مساعدات لتحقيق ذلك.

 لكن المعضلة التي تواجه حكومة الحرب الإسرائيلية، تتمثل في كيفية إقامة نوع من التوازن في توزيع القوات، لتغطية احتياجات مواجهة المقاومة في غزة والضفة ولبنان. ونحن نعرف يقينا أن أحد أهم شروط وزير الدفاع الإسرائيلي لخوض الحرب في لبنان هو إنهاء حرب غزة، وتركيز مجهود القوات في الجبهة اللبنانية.

 ومن الناحية العسكرية التقنية البحتة سوف تجد القوات الإسرائيلية نفسها في وضع شديد الصعوبة استراتيجيا وتكتيكيا، إذا حاولت فتح جبهة للحرب مع إيران، في الوقت الذي لم تحقق فيه الحروب الإسرائيلية الأخرى أهدافها بعد. هذا، إذا حدث، من شأنه أن يجعل الجبهات على حدود إسرائيل وفي الجبهة الداخلية، مكشوفة وقابلة للكسر.


  طباعة  | |  أخبر صديقك  | |  إضافة تعليق  | |  التاريخ : 2024/10/09  | |  القرّاء : 38




عين شاهد
15 قسم
8008 موضوع
1588889 تصفح
الرئيسية
من نحن
إتصل بنا
العراق
السياسية
الأمنية
الإقتصادية
الرياضية
المحلية
كاريكاتير
العراق
صورة وخبر
الصحة
الأسرة والطفل
منوعات
دراسات و بحوث
أقسام أخرى
العالم
مقالات
تقارير
أرشيف
تابعونا





جميع الحقوق محفوظة © 2021 - 2025 تنفيذ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net