![](pic/2024//991932ed1.jpg)
عبد الباري عطوان
تعوّدنا كفِلسطينيين على “ظاهرة” تتكرّر دائمًا، تتجسّد في ظُهور ما يُسمّى “مُبادرات” سلام مُشتركة لشخصيّات فِلسطينيّة وإسرائيليّة تنتشر مثل النار في الهشيم، وتُثير حالة من البلبلة والتضليل، وتوسيع دائرة الانقسامات في الوسط الفِلسطيني، ويتزامن طرح هذه “المُبادرات” دائمًا مع مُرور دولة الاحتلال في “مآزقٍ وجوديّةٍ خطيرة” وتحقيق المُقاومة الفِلسطينيّة انتصارات في ميادين القتال، ولعلّ الظّهور المُفاجئ هذه الأيّام لما يُسمّى بوثيقة السّلام الثنائيّة المُشتركة المُوقّعة من قِبَل كُل من إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، والسيّد ناصر القدوة وزير خارجيّة السّلطة وسفيرها السّابق في الأمم المتحدة لعدّة سنوات، وعُضو اللجنة المركزيّة السّابق المُبعد من حركة فتح، هذه الوثيقة هي التّمثيل الأدَقْ والأحدث لهذه الظّاهرة.
قبل الحديث عن هذه الوثيقة الجديدة التي حظيت بدعمٍ فوريٍّ من قِبَل جوزيف بوريل وزير خارجيّة الاتّحاد الأوروبي وعدّة حُكومات عربيّة، والبُنود الخطيرة جدًّا التي جاءت فيها، لا بُدّ من الإشارة والتذكير إلى وثائقٍ ومصائدٍ مُماثلة، مِثل وثيقة جنيف التي أصدرها الثنائي ياسر عبد ربه وزير الإعلام وأمين سِر اللجنة التنفيذيّة للمنظّمة سابقًا، ويوسي بيلين في سويسرا في 1 كانون الثاني (ديسمبر) 2003، وتتحدّث عن تعايش وحل نهائي للصّراع العربي الإسرائيلي، يرتكز على حل الدولتين على أساس قراريّ مجلس الأمن الدولي 242 و338، وحظيت هذه الوثيقة بدعمٍ غير مُعلن للرئيس الحالي محمود عباس مُهندس اتّفاق أوسلو، ولا ننسى أيضًا، مُبادرات أوروبيّة وأمريكيّة وأمميّة صدرت لإجهاض الانتفاضة المسلّحة الأولى في الضفّة الغربيّة التي انفجرت بعد فشل قمّة كامب ديفيد الإسرائيليّة الفِلسطينيّة عام 2000 برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وتجسّدت في خريطة الطّريق واللجنة الرباعيّة، ووعود مُؤكّدة بإقامة دولة فِلسطينيّة مُستقلّة من قِبَل تلك اللّجنة (الرباعيّة) التي تضم أمريكا وروسيا والاتّحاد الأوروبي والأمم المتحدة فور وقف أعمال المُقاومة المسلّحة في حينها، وباقي القصّة معروفة
.الآن، وبعد أن فشلت المُفاوضات المُستمرّة مُنذ 11 شهرًا برعايةٍ أمريكيّة في كُل من القاهرة والدوحة لكسر المُقاومة وخداعها للوصول إلى وقفٍ لإطلاق النّار في قطاع غزة بالشّروط الإسرائيليّة، بسبب تمسّك المُقاومة بشُروطها كاملة، ورفض بنيامين نتنياهو الانسِحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفيا) وممر نتساريم وتبخّر كُل أحلامه في القضاء على حركتيّ “حماس” والجهاد الإسلامي، وكتائب المُجاهدين في قطاع غزة، وانتقال الثورة المسلّحة إلى الضفّة الغربيّة، فُوجئنا بطرح وثيقة القدوة- أولمرت كحلٍّ وسط للصّراع العربي الإسرائيلي ووقف الحرب في قطاع غزة مثلما يُؤكّد أصحابها.