الجمعة 7 فبراير 2025

  • القسم الرئيسي : العراق .
        • القسم الفرعي : منوعات .
              • الموضوع : حمودي الحارثي: أيقونة الكوميديا العراقية وحكاية الإبداع .

حمودي الحارثي: أيقونة الكوميديا العراقية وحكاية الإبداع




الكاتبة حميدة الكعبي

في زوايا العراق، حيث تتعانق الألوان مع الأصوات، وُلد الفنان حمودي الحارثي في 17 أغسطس 1936، ليكون رمزًا من رموز الكوميديا العراقية والعربية. منذ طفولته، كان الحارثي محاطًا بأصوات النجارين وأدواتهم، حيث بدأ رحلته في عالم النجارة في سن مبكرة، مُستمدًا إلهامه من عائلته التي كانت تمتهن هذه الحرفة العريقة. في السادسة من عمره، كان يُشاهد أخاه وهو يعمل في ورشة النجارة، مما أشعل في قلبه شغفًا لا ينطفئ. 

تحت إشراف أخيه، تعلم الحارثي أسرار الحرفة، وبدأ في تشكيل الخشب بأيدٍ صغيرة، مُبدعًا أبوابًا وشبابيك لأضرحة الأئمة في الكاظمية وسامراء وكربلاء. لقد أُطلق عليه لقب "نجار الأئمة"، وهو لقب يُبرز مكانته في مجتمع يُقدِّر الحرف اليدوية والفنون التقليدية. كانت أعماله ليست مجرد قطع خشبية، بل كانت تعبيرات فنية تحمل في طياتها روح التاريخ والدين. 

ومع مرور الوقت، بدأ الحارثي يشعر بأن قلبه يدق لشيء أكبر من النجارة. كان لديه حلم عميق في عالم الفن، حلمٌ دفعه للالتحاق بمعهد الفنون الجميلة. هناك، التقى بأعلام الفن العراقي، مثل جواد سليم وفائق حسن، الذين ألهموه لتوسيع آفاقه الفنية. ومع ذلك، لم يكن النحت والرسم هما ما استحوذا على قلبه، بل كانت شغفه الحقيقي هو التمثيل والإخراج.  

في أوائل الستينيات، انطلقت مسيرته الفنية في عالم الشاشة الصغيرة، حيث أبدع في تجسيد شخصية "عبوسي" في المسلسل الكوميدي "تحت موسى الحلاق". كانت هذه الشخصية تجسيدًا للروح العراقية، مُجسدةً خفة الظل والمواقف الطريفة التي تُدخل البهجة إلى قلوب المشاهدين. لقد أضفى الحارثي على الشخصية عمقًا إنسانيًا، مما جعلها تتجاوز حدود الكوميديا إلى مساحة من التعاطف والارتباط. 

ومع تزايد شهرة المسلسل، لم يكتفِ الحارثي بما حققه، بل سعى لتعزيز معرفته الأكاديمية. حصل على شهادة الماجستير في الإخراج التلفزيوني من القاهرة، ثم الدكتوراه في الإخراج والإنتاج من فرنسا، ليكون أول مخرج تلفزيوني وإذاعي يحصل على هذه الشهادة. عاد إلى وطنه ليُسهم في تطوير الإعلام العراقي، مُخرجًا العديد من البرامج التلفزيونية والإذاعية، مثل "الرياضة في أسبوع" و"عدسة الفن"، حيث كان له دورٌ بارز في تعزيز الثقافة والفن في المجتمع. 

لكن الحياة لم تكن دائمًا سهلة. بعد وفاة رفيق دربه، سليم البصري، اتخذ الحارثي قرارًا صعبًا بالهجرة. سافر إلى الأردن، حيث عاش فترة من التحديات، ثم انتقل إلى هولندا، حيث أقام معارض فنية تُبرز موهبته في النحت. كانت هذه المعارض بمثابة نافذة له للتواصل مع الجاليات العراقية والعربية، مُعبرًا عن هويته الثقافية من خلال الفن. 

أما في حياته الشخصية، فقد تزوج من الفنانة القديرة منتهى محمد رحيم، التي ساهمت في إثراء مسرح الطفل. كانت لها بصمة واضحة في تطوير هذا النوع من الفن، حيث علمت العديد من الفنانين الذين شقوا طريقهم في عالم الفن بفضل تعليمها الدقيق واهتمامها بهم. أنجبا أولادًا، وكان أكبرهم حارث، الذي يُعتبر من الشخصيات البارزة في مسرح الطفل، حيث ساهمت والدته بشكل خاص في تطوير هذا النوع من المسرح منذ بداياتها في منتصف السبعينيات. 

إن قصة حمودي الحارثي ليست مجرد سرد لتجارب فنية، بل هي ملحمة إنسانية تُجسد الإصرار على تحقيق الأحلام، وتُظهر كيف يمكن للفن أن يكون جسرًا يربط بين الثقافات والأجيال. إن مسيرته تُعبر عن قدرة الإنسان على التكيف والتغيير، وكيف يمكن للإبداع أن يكون وسيلة للتعبير عن الهوية والانتماء. 

اما في إطار الرومانسية، يمكننا أن نرى كيف أن الحارثي لم يكن مجرد فنان، بل كان عاشقًا للفن والحياة. كان يتنفس الإبداع، ويبحث عن الجمال في كل زاوية من زوايا العالم. كانت أعماله تعكس شغفه العميق، حيث كان يُعبر عن مشاعره وأفكاره من خلال كل شخصية يجسدها، وكل مشهد يُخرجه.  

تتجلى الرومانسية أيضًا في علاقته مع زوجته، منتهى محمد رحيم، حيث كانت شريكته في الحياة والفن. إن حبهما المشترك للفن كان بمثابة شعلة تضيء دربهما، وتمنحهما القوة لمواجهة التحديات. كانت منتهى مصدر إلهام له، ورفيقة دربه في كل خطوة، مما جعل حياتهما معًا لوحة فنية نابضة بالحياة. 

إن قصة حمودي الحارثي ليست مجرد سرد لتجارب فنية، بل هي ملحمة إنسانية تُجسد الإصرار على تحقيق الأحلام، وتُظهر كيف يمكن للفن أن يكون جسرًا يربط بين الثقافات والأجيال. إن مسيرته تُعبر عن قدرة الإنسان على التكيف والتغيير، وكيف يمكن للإبداع أن يكون وسيلة للتعبير عن الهوية والانتماء. 

في النهاية، يبقى حمودي الحارثي رمزًا للفنان الذي استطاع أن يجمع بين الحرفة والفن، مُبدعًا في كل ما قدمه، مُعبرًا عن روح الشعب العراقي في كل عملٍ من أعماله. إن إرثه الفني سيظل حيًا في قلوب محبيه، مُلهمًا الأجيال القادمة للسير على خطاه.


  طباعة  | |  أخبر صديقك  | |  إضافة تعليق  | |  التاريخ : 2024/08/21  | |  القرّاء : 63




عين شاهد
15 قسم
8008 موضوع
1580563 تصفح
الرئيسية
من نحن
إتصل بنا
العراق
السياسية
الأمنية
الإقتصادية
الرياضية
المحلية
كاريكاتير
العراق
صورة وخبر
الصحة
الأسرة والطفل
منوعات
دراسات و بحوث
أقسام أخرى
العالم
مقالات
تقارير
أرشيف
تابعونا





جميع الحقوق محفوظة © 2021 - 2025 تنفيذ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net