د.أمل الأسدي ||
لا تتحدد مفردة الأعراب بالمكان والزمان؛ لأنها تتسع لتشمل الجوانب المعنوية، فالأعراب مصطلح ارتبط بالبداوة والتصحر والابتعاد عن التحضر، ارتبط بالقبلية والتفكك، وما تعكسه هذه الأمور علی سلوك الفرد، تجاه نفسه وعائلته ومجتمعه، وقد تحدث القرآن الكريم عن الأعراب في مواضع كثيرة منها، قوله تعالی:((قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ…))(١) وتحدث عنهم في موضع آخر:((الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ))(٢) وهذا الوصف والتخصيص جاء علی الرغم من أنسنة الحياة بعد الجاهلية التي عاشها العرب، علی الرغم من منهج الرسول الأعظم وأهل بيته(صلوات الله عليهم) إذ نظّم الرسول الحياة وانتظمت بدستور إلهي، وأزال الطبقية والقبلية والعدواة والاعتداء والوأد وكل أشكال العنف والتعصب، فمنهجه منهج المحبة والرحمة وكما قال تعالی:((مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ …))(٣) ولكن الأعرابية الجاهلية عادت من جديد بعد رحيل الرسول الأعظم، فعاد الظلم والجحود والخذلان، وأول قلبٍ نالت منه الأعرابية وآذته وأحرقت قلب الرسول والإمام علي عليه، هو قلب السيدة الزهراء، تلك المرأة التي قال لها الرسول:
((فاطمة،إنّ الله يغضب لغضبك ))(٤) وقال عنها: ((فاطِمَة بَضْعَةٌ مِنّي مَنْ آْذاهَا فَقَدْ آذانِي))(٥)
فلم يكتفوا بتحويل مسار الرسالة من الوحي والنص إلی الاجتهاد مقابل النص، ولم يكتفوا بعنادهم وتماديهم علی الرغم من خطبة السيدة الزهراء الصريحة؛ بل راحوا يحاصرون دموعها، ويستكثرون عليها البكاء والأنين والألم!
فقصدوا أمير المؤمنين طالبين منه أن يحدد أوقات بكائها علی أبيها، رسول الله، حبيب الله الذي استنقذهم به، وقطعوا شجرة الآراك التي تستظل بها(٦) مما دفع أمير المؤمنين إلی أن يبني لها بيت الأحزان في البقيع، لتخرج إليه مع ولديها(الحسن والحسين) لتبكي فيه علی أبيها، وتشكو إليه ماحل بها من ظلم القوم، فالمجالس المحمدية التي تقيمها السيدة الزهراء كانت تهددهم، وتذكر الناس بالرسول والغدير وبمكانة الزهراء لهذا منعوا مجالسها(٧).
رحلت الزهراء سريعا بعد الرسول الأعظم، رحلت غاضبة ناقمة علی القوم، واستمر جحودهم من زمن إلی زمن حتی أزالوا بيت أحزانها!!
أما – الآن- فنقول: للسيدة الزهراء لن نتركك تبكين في بيت الأحزان، ولن نؤذيك ونؤذي أمير المؤمنين والرسول الأعظم، فهنا أرض العراق، الأرض التي تعشقكم!
في العراق ومع بدء المحرم الحرام، تصبح كل بيوت العراقيين الموالين بيت أحزان الزهراء، لن ندع دموعك غريبةً، ولن نتخلی عنك، ولن نترككِ وحيدةً!
فكل بيوتنا استعدت معكِ، وكل شوارعنا رفعت راياتكم، وكل مساجدنا ومراقدنا ستشاركك الدمعة واللوعة!
أرادت الحكومات الطـائفية علی مر التأريخ أن تبعدنا عنكِ، وأن تجعلنا من الأعراب الجاحدين الناكرين لحقكم، وأن تحركنا لنخرجكِ إلی بيت الأحزان، بعيدا عن بيوتنا وقلوبنا وعيوننا؛ إلا أنهم فشلوا مرة بعد مرة!
وبقينا نواليكم ونحبكم، ونضحي من أجلكم، ونذكركم ليل نهار، ونبكي بحسرة علی تلك الأيام التي خرجتِ بهاـ بهمك وغمك وألمك ـ إلی بيت الأحزان ولم نكن قربك!
ولا أدري ماذا ستفعلين إذا سمعت:
يـمـه ذكـريـنـي مـن تـمـر زفـة شـباب
مـن الـعـرس مـحـروم … حـنتي دم المصاب
شــمــعـة شـبـابـي مـن يـطـفـوهـا
حـنـتـي دمـي والچـفـن ذاري الـتـراب
يـمـه ذكـريـنـي مـن تـمـر زفـة شـباب!