محمود الهاشمي ||
مقدمة
تخلق الحرب اجواءً مثالية لتزايد الطلب على المعلومة التي تلبي حاجة المواطن لفهم ما يجري على الارض اثناء المعارك وحجم الخسائر والضحايا، ومآل الجهة التي ينتصر لها وكيف تعيش الناس تحت وطأة الحرب وتداعياتها لذا فان المناهج الجديدة في الحروب تهتم بالاعداد للاعلام الحربي مثلما تستعد في التسليح والتخطيط للمعركة، فقد تكون الغلبة في الاعلام تمثل انتصاراً مسبقاً على الخصم، وكما يقول الشاعر المتنبي:
“الرأي قبل شجاعة الشجعان…
هو اولٌ وهي المحل الثاني”..
لذا عمدت الدول الكبرى الى انفاق المليارات من الاموال لدعم الاعلام فمثلاً ان ميزانية صحيفة الواشنطن بوست الامريكية تبلغ ملياري دولار سنوياً.
وكما يقول المثل “الاعلام محرقة للمال” ومما يؤسف له ان دولاً تدعي الديمقراطية تعتمد الاعلام في تغيير الراي العام صوب وجهة نظرها الداعية للحرب والقتل والارهاب، فمثلاً امريكا صنعت رايا عاماً بان العراق يمتلك سلاحاً نووياً ثم هاجمت العراق واحتلته تحت هذه الذريعة وكذلك احتلت افغانستان ..الحركة الصهيونية ايضاً اهتمت بالاعلام،حيث يؤكد مؤلف كتاب “اليهودي العالمي” الملياردير ومخترع سيارة فورد “هنري فورد” ان “اليهود عند دخولهم لامريكا الجديدة سارعوا للهيمنة على المؤسسات الثقافية وخاصة الصحافة لصناعة الراي العام وفق مخططاتهم واكاذيبهم..
الاعلام الاسرائيلي
لما كانت اسرائيل “دولة مفترضة” فان ادبيات الصهاينة تحاول ان تضع سردية تاريخية “مفترضة” ايضاَ واشبه بالخيال من الواقع، لذا فان “مواطنها” يعيش “عالماً” اخر بانه “المتفوق، المنتصر، المحروس باكثر الاسلحة تقدماً” وان خصمه من العرب والمسلمين والمقاومة متخلفون ولا يجرؤون على مهاجمة دولتهم “اسرائيل” لذا حين جاءت صدمة “معركة طوفان الاقصى” وما حققته المقاومة من انجاز عسكري كشف زيف الاعلام الصهيوني بان بلادهم مخترقة وان جيوشهم وقادتهم في غفلة، فذهبت اسرائيل الى امرين الاول محاولة انهاء المعركة باسرع وقت كي تغطي فشلها والثاني غلق منافذ الاعلام الخارجي ومحاولة ان يستمر المواطن الصهيوني في سرديته الاولى بان “اسرائيل لا تقهر، فاشترطت على جميع الصحفيين الدوليين الذين يغطون الحرب في غزة ان يكونوا نصحوبين بمرافقة عسكرية اسرائيلية، وان يتولى الجيش مراجعة الاشرطة التي يتم تصويرها قبل ارسالها لمنصاتهم الاعلامية، ثم انهم عمدوا الى منع المواطن من تصوير وبث مواقع الاستهداف التي تطالها اسلحة المقاومة واصدروا بياناً في ثمان نقاط بهذا الشان بمعاقبة من يخالف ذلك…
في ذات الوقت فان الجيش الصهيوني حاول ان يغطي على جرائمه بقصف المناطق المأهولة وقتل الاطفال والنساء وقصف المستشفيات عبر الاستفادة من بيان رجال الدين اليهود “الحاخامات” الذين اعتبروا ان هذه ليست جرائم انما هي جزء من العقيدة اليهودية ، وكذلك بيان اطباء اسرائيل الذين اجازوا هدم المستشفيات باعتبار انها ساحة حرب.
الاعلام الغربي وطوفان الاقصى
عمدت منصات الاعلام الغربي وخاصة الامريكية في بداية معركة طوفان الاقصى الى دعم الرواية الاسرائيلية والتضييق على السردية الفلسطينية، بالحديث ان اسرائيل تدافع عن نفسها وان ما حدث مجرد اعتداء من منظمة ارهابية وغض الطرف عن حق الشعب الفلسطيني واستخدام الاعلام الغربي لغة التحابي مع اسرائيل وتجرد الفلسطينيين من انسانيتهم…
صحف ووكالات وقنوات فضائئية مثل “اي بي سي نيوز” و”ام اس ان بي سي” و”الغارديان” وبي بي سي” و”سكاي نيوز” الامريكية طردوا الكثير من كوادرهم الاعلامية لانهم دافعوا عن القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بالدفاع عن نفسه..
الاعلام الغربي كشف عن قضيتين الاولى هيمنة الصهاينة على المؤسسات الاعلامية، والثانية كشف زيف الديمقراطية وفقدان القيم الانسانية.
وسائل التواصل الاجتماعية
استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي ان تحدث تغييراً واضحاً في الراي العام العالمي الذي انقلب لصالح قضية فلسطين وشعبها وكان هذا النوع من الاعلام هو الاهم في ايصال الحقائق لدى العالم وكان تاثيره كبيراً في اوساط الشباب ، وهو من ساعد طلبة الجامعات الامريكية في التظاهرات والاحتجاجات لنصرة القضية الفلسطينية.
اعلام امريكا اللاتينية
تمثل امريكا خزيناً ثورياً باعتبار ان هذه القارة شهدت حروبا ومعارك تحرر كثيرة وفيها رموز لشخصيات ثورية مثل جيفارا وبوليفار والتوباموروس وغيرهم، كما ان هذه القارة فيها عدد كبير من الفلسطينيين والعرب الذين هاجروا للقارة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر من عام (1900-1930) وشكلوا جالية كبيرة ونقابات ومنظمات لنصرة فلسطين.
وقد عاجلت دول من امريكا اللاتينة في سحب سفرائها من اسرائيل مثل بوليفيا وكولومبيا واستدعت حكومة شيلي سفيرها وكذلك البرازيل كما ادانت فنزويلا جرائم الابادة الجماعية التي ترتكبها اسرائيل.
وقد ساعد دول امريكا اللاتينة على هذا الموقف بنصرة فلسطين ان هذه الدول عانت من الاستعمار والحروب الاهلية واضطهاد من قبل امريكا التي نهبت ثرواتها ايضا، ناهيك عن صعود احزاب اليسار في اغلب دول امريكا اللاتينية ضد احزاب اليمين المناصر لامريكا واسرائيل، وقد كان لاعلام هذه الدول التي منها ايضا كوبا ونيكاراكوا في ايصال حقيقة معركة طوفان الاقصى ومظلومية الشعب الفلسطيني ..اما في دول امريكا الشمالية فان المكسيك تعاطف مع الشعب الفلسطيني.
الاعلام العربي ومعركة طوفان الاقصى
اعتاد الاعلام العربي ان يقف مع القضية الفلسطينية في كل المعارك التي خاضها العرب مع الصهاينة، بالشكل الذي لاتفرق به بين هذه الدولة العربية وتلك، ولكن المؤسف في معركة طوفان الاقصى نجد ان الاعلام العربي اصبح فيه اكثر من راي بين هذه الدولة العربية وتلك، في الوقت الذي انتصرت دول قريبة من المقاومة للقضية الفلسطينية وسخرت كل اعلامها لعرض واقع معركة طوفان الاقصى مثل العراق والجزائر وسوريا، فان دول التطبيع حاولت ان تظهر وكان المقاومة قد “غامرت” في دخولها المعركة مع الصهاينة وباتت قنوات اعلامية مثل العربية الحدث “السعودية” و”سكاي نيوز” الاماراتية تتحدث فقط عن معاناة اهالي غزة نتيجة الحرب ومحاولة غلق خلافات بين السلطة الفلسطينية وبين فصائل المقاومة.. فقد قررت وزارة الداخلية التابعة لحركة حماس منع قناتي “العربية” و”الحدث” السعوديتين من العمل في قطاع غزة، وذلك لضلوعهما في “بث أخبار مفبركة تسيء للمقاومة الفلسطينية”
اعلام المقاومة الاسلامية
شكلت منصات المقاومة بكل عناوينها تاثيراً كبيراً في المساحة الاعلامية في معركة طوفان الاقصى حيث ان المعارك السابقة التي خاضتها المقاومة الاسلامية ضد اسرائيل سجلت فيها انتصارات ملحوظة كما ان قيادات المقاومة تحظى باحترام كبير لدى العالم مثل شخصية السيد حسن نصر الله واسماعيل هنية وعبد الملك الحوثي، بما كان في خطابهم من صدق وسردية مؤثرة في جميع الاوساط، لذا فقد نقلت وسائل الاعلام الخاصة بالمقاومة الكثير من الحقاق ولكن بقي خطابها “انفعالياً” مما دفع بالاوساط العامة، الى اختبار منصات علامية اكثر موضوعية في نقل الحدث فمثلاً ان المواطن العربي والاسلامي يفضل ان يتابع قناة الجزيرة اكثر مما يتابع قناة المنار…
اعلام قنوات واذاعات الاتحاد الاسلامي
اهتمت قنوات الاتحاد الاسلامية كثيراً في نقل وقائع معركة “طوفان الاقصى” خاصة وانها قنوات “مقاومة” في معظمها مثل قناة “العالم، المنار، الاتجاه ، العهد، النجباء …الخ”، ولكن بقي المواطن يفضل القنوات العالمية عليها، للنقص بالمهنية وطريقة التناول
الاعلام الحكومي العراق
الاعلام الحكومي العراقي للاسف لم ينشغل بمعركة طوفان الاقصى واهتم فقط برئيس الوزراء العراقي ونشاطاته في الجانب الخدمي او زياراته الخارجية وينقل وقائع معركة طوفان الاقصى بشكل هامشي..
الاعلام الايراني
الاعلام الايراني تفاعل مع معركة طوفان الاقصى ولكن غلبت عليه المحلية.لكن الاعلام الايراني كان ناجحا قبل معركة الطوفان اكثر وذلك بنقل كلمات سماحة السيد الخامنئي التي تؤكد ان اسرائيل الى الزوال وان عمرها لايتجاوز ال(25)عاما المقبلة .
قناة الجزيرة
استطاعت قناة الجزيرة “القطرية” ان تكسب ثقة المجتمع الدولي بشكل عام والمجتمع العربي والاسلامي وساهمت في صناعة راي لدى الاوساط العالمية بان اسرائيل تمارس “ايادة جماعية: اعتمدت اخباراها وصورها كوثائق في المحاكم الدولية مما دعا اسرائيل الى منع عملها كما ان فصائل المقاومة ترى بقناة الجزيرة موضع ثقتها وترسل لها اخبارها وتوثيق انجازاتها العسكرية وهذا يجعلنا نعيد النظر باداء قنواتنا “المقاومة” لان قطر دولة “صغيرة” وتربطها بامريكا علاقة قوية ولايجوز ان تسبقنا الى قضايانا المصيرية.
الاعلام في قارة افريقيا
هناك 44 دولة أفريقية تعترف بإسرائيل من جُملة 54 دولة في القارة، بينما أقامت أكثر من 30 دولة أفريقية علاقات دبلوماسية كاملة، وتبادلت السفراء مع إسرائيل.لكن بشكل عام هناك نزعة لدى دول افريقيا للتخلص من الهيمنة الاميركية
والنزوح باتجاه روسيا والصين ،لذا كان لدولة جنوب افريقيا الدور في محكمة العدل الدولية لادانة اسرائيل
اما الدول العربية الافريقية (الجزائر ،تونس ،موريتانيا ليبيا )فعموما اعلامها كان فاعلا بنصرة المقاومة اما السودان فغارق باالحرب الاهلية فيما (مصر )فان اعلامها عمد الى التشويش
ومجافاة الحقيقة والتعريض بحماس والمقاومة وعرض الواقع المأساوي لاهالي غزة .
دول شرق اسيا وجنوب شرق اسيا
للاسف لم تهتم دول شرق اسيا وجنوبها كثيرا بمعركة طوفان الاقصى الا الدول الاسلامية مثل اندونيسيا ويعود السبب ان
دول هذه المنطقة معظمها تقع ضمن النفوذ الاميركي سوى الصين وكوريا الشمالية ،اما فيتنام فرغم انها من المفروض ان تصطف مع القضية الفلسطينية كونها عانت كثيرا من الغرب وامريكا التي قتلت ثلاثة ملايين مواطن فيتنامي لكنها بقيت في منأى عن الاحداث
فيما الصين تناولت معركة طوفان الاقصى بخطاب رسمي وهو منهج الاعلام الصيني في تناول الاحداث .