السبت 18 أكتوبر 2025

  • القسم الرئيسي : مقالات .
        • القسم الفرعي : المقالات .
              • الموضوع : تسريبات الهيكل الأمني الإقليمي..! .

تسريبات الهيكل الأمني الإقليمي..!

 

 

 

 

 

محمد عبد الجبار الشبوط 

في الحادي عشر من تشرين الأول / أكتوبر 2025، نشرت صحيفة واشنطن بوست بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (ICIJ) تحقيقًا موسعًا استند إلى وثائق عسكرية أميركية مسرّبة، كشفت عن وجود إطار أمني سرّي تحت إشراف القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM)، يجمع إسرائيل وستّ دول عربية هي: البحرين، مصر، الأردن، قطر، السعودية، والإمارات، تحت مسمّى “الهيكل الأمني الإقليمي” (Regional Security Construct).

التحقيق أوضح أن هذا التعاون، الذي بدأ منذ عام 2022 واستمر حتى عام 2025، شمل تنسيقًا استخباراتيًا وتدريبات مشتركة في مجالات الدفاع الجوي، والرصد السيبراني، ومكافحة الأنفاق، وتبادل بيانات الرادار والمستشعرات عبر أنظمة أميركية مشتركة.

البنية السياسية للتحالف

من الناحية السياسية، تعكس هذه التسريبات تحولًا عميقًا في خريطة الأمن الإقليمي للشرق الأوسط. فبينما ظلّ الخطاب العلني للدول العربية المعنية متحفّظًا تجاه التطبيع أو التعاون العسكري المباشر مع إسرائيل، تكشف الوثائق أن التنسيق كان جارياً في الخفاء، وبمستوى متقدم من التنظيم والربط الفني.

هذا النمط من التحالفات يعكس الاستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة بعد إعادة تنظيم مسؤوليات القيادة المركزية لتشمل إسرائيل عام 2021. فالولايات المتحدة، التي تواجه تحديات متصاعدة من الصين وروسيا، تسعى إلى تخفيض وجودها المباشر في الشرق الأوسط عبر بناء “تحالفات شبكية” تجمع شركاءها الإقليميين في منظومة أمنية تتكامل مع المصالح الأميركية والإسرائيلية.

التوازن بين الخطاب والواقع

اللافت في هذه التسريبات أنها جاءت في ذروة حرب غزة، حين كانت عواصم عربية تُطلق بيانات الإدانة ضد العمليات الإسرائيلية، بينما كانت الجيوش ذاتها تشارك في تدريبات وتنسيقات أمنية مع الطرف الإسرائيلي.
هذا التناقض لا يُختزل في بُعده الأخلاقي فقط، بل يكشف عن خلل بنيوي في مفهوم السيادة والأمن لدى الأنظمة العربية؛ إذ تحوّل الأمن القومي إلى وظيفة ملحقة بالاستراتيجيات الدولية، بدل أن يكون تعبيرًا عن إرادة حضارية مستقلة.

وفي المقابل، استطاعت إسرائيل أن تدمج حضورها العسكري والاستخباري في بنية الأمن الإقليمي العربي، دون الحاجة إلى اتفاقيات تطبيع علنية جديدة، مستفيدة من الغطاء الأميركي وذريعة “مواجهة التهديد الإيراني”.

القراءة الحضارية للحدث

من منظور الفلسفة الحضارية، لا يمكن النظر إلى هذا التحالف بوصفه مجرد ترتيبات أمنية، بل هو تجسيد لمنظومة وعي حضاري مأزوم يعيش حالة اغتراب سيادي.

إذ تُدار المنطقة وفق منطق “الأمن التابع” لا “الأمن المبدع”. الأمن التابع يقوم على الخوف، والاحتماء بالقوة الأجنبية، والقبول بالهيمنة بوصفها ضمانًا للاستقرار.

أما الأمن المبدع فهو الذي ينبع من منظومة قيم حضارية عليا — كالحرية، والمسؤولية، والعدالة، والتعاون، والإبداع — ويُبنى على قاعدة الثقة المتبادلة بين الشعوب والدول، لا على هندسة الخوف أو الاصطفاف ضد عدوّ مصطنع.
وفي هذا السياق تحديدًا، كنت قد قدمت مقترحًا عمليًا بديلًا تحت عنوان «المواطنة الشرق أوسطية»، بوصفها الإطار الحضاري الذي يمكن أن تتأسس عليه شراكة إقليمية جديدة.

فبدل التحالفات الأمنية الضيقة، دعوت في سياق هذا المقترح إلى بناء فضاء إنساني إقليمي يقوم على قيم المواطنة والحرية والعدالة والمصير المشترك، بحيث تتحول المنطقة من مجال صراع وهيمنة إلى مجال تعاون حضاري.

إن تبنّي مفهوم «المواطنة الشرق أوسطية» كان يمكن أن يشكّل خطوة أولى في تجاوز منطق “الأمن المسوّر بالخوف” نحو “الأمن المؤسس على الثقة الحضارية”، إلا أن الواقع السياسي ما زال أسير البنية القديمة التي تعيد إنتاج التبعية بأشكال جديدة.

في البعد الأميركي – الإسرائيلي

الوثائق المسرّبة تُظهر أن واشنطن تسعى إلى إنشاء ما يشبه “الناتو الشرق أوسطي”، تكون فيه إسرائيل مركز القيادة العملياتية، فيما تتحول الجيوش العربية إلى أطراف منفذة ومزوّدة بالمعلومات.

هذا التحول لا يعني فقط إعادة توزيع الأدوار العسكرية، بل إعادة تشكيل الوعي الاستراتيجي العربي بحيث يُعاد تعريف “العدو” و”الصديق” وفق المنظور الأميركي لا وفق المصلحة الحضارية للأمة.

هنا تتبدّى خطورة ما يمكن تسميته بـ تأميم الوعي الأمني لحساب الخارج، حيث تُبنى العقيدة الدفاعية على حماية النظام الدولي القائم، لا على حماية المشروع الحضاري للأمة.

دروس حضارية

تُظهر هذه التسريبات أن المعركة الكبرى في المنطقة ليست معركة جيوش، بل معركة وعي. فحين تُستعار المفاهيم الأمنية من خارج البيئة الحضارية، تُفقد الأمة بوصلتها وتُستنزف إرادتها.

الأمن الحقيقي لا يُبنى في غرف التنسيق ولا في أنظمة الرادار، بل في استعادة الثقة بين الدولة والمجتمع، وفي بناء منظومة قيم عليا قادرة على تحويل القوة إلى مسؤولية، والمعرفة إلى حرية، والسيادة إلى مشروع حضاري مشترك.

إن الهيكل الأمني الذي تحتاجه الأمة ليس ذلك الذي ترسمه الخرائط العسكرية، بل الذي تبنيه العقول الحرة المؤمنة بكرامة الإنسان وحقّه في المشاركة والإبداع.


  طباعة  | |  أخبر صديقك  | |  إضافة تعليق  | |  التاريخ : 2025/10/13  | |  القرّاء : 34




عين شاهد
15 قسم
11910 موضوع
3859751 تصفح
الرئيسية
من نحن
إتصل بنا
العراق
السياسية
الأمنية
الإقتصادية
الرياضية
المحلية
كاريكاتير
العراق
صورة وخبر
الصحة
الأسرة والطفل
منوعات
دراسات و بحوث
أقسام أخرى
العالم
مقالات
تقارير
أرشيف
تابعونا





جميع الحقوق محفوظة © 2021 - 2025 تنفيذ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net