ما هي الأسباب الستة التي أجبرت نتنياهو على القبول بالمرحلة الأولى من الاتفاق ووقف إطلاق النار والانسحاب؟

عبد الباري عطوان
السبب الحقيقي الذي قاد الى وقف إطلاق النار، وانسحاب جزئي للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، والافراج عن الاسرى الاحياء والجثامين، يمكن اختصاره في “العبارة الذهبية” التي وردت على لسان دونالد ترامب الرئيس الأمريكي في آخر مؤتمر صحافي له وهي “قلت لنتنياهو ان إسرائيل لا تستطيع محاربة كل العالم أجمع الذي بات يقف ضدها”.
هذا اعتراف واضح، ومن قبل رئيس الدولة الأعظم في العالم، بأن إسرائيل لم تعد تملك القوة التي تؤهلها في خوض هذه الحرب والاستمرار فيها أولا، وان حلفاءها في الغرب بقيادة أمريكا لا يستطيعون خوض هذه الحرب والدفاع عنها ضد العالم بأسره ثانيا.
الحرب ضد العالم بأسره، سياسيا وعسكريا واقتصاديا ليس مثل الحرب ضد فصيل مقاومة محاصر مجوع في منطقة (غزة) لا تزيد مساحتها عن 365 كيلومتر مربع، ولا يوجد فيها غابات او جبال، وانما كتلة من اللحم البشري تتكون من 2.5 مليون نسمة معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وأحفاد المهجرين بالقوة من مدن وقرى جنوب فلسطين المحتلة، واسرتي من بينهم.
“إسرائيل” خاضت حربا لمدة عامين ضد خصم ضعيف التسليح، ولكنه قوي الارادة، وقادته يملكون دهاءً فطريا، وايمانا عميقا بعقيدتهم وقضيتهم وجذورهم تمتد لآلاف السنين في أرض المنطقة، وليسوا طارئين عليها مثل عدوهم، ولهذا لم تنتصر في هذه الحرب، وقد تكون حققت بعض الانتصارات العسكرية، ولكنها انهزمت سياسيا (خسارة العالم)، جنبا الى جنب مع خسائرها العسكرية في الميدان البشري والاستخباري على وجه الخصوص، ونحن نتحدث هنا عن ما بعد “طوفان الأقصى” الذي ما زلت الاحتفالات مستمرة بدخوله عامه الثالث.
إذا قبلنا بالتوصيف شبه الإجماعي الذي يقول ان هدف نتنياهو الازلي هو البقاء في الحكم لأطول فترة ممكنة، فهل قبوله للمرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعاه، او بالأحرى فرضه، الرئيس ترامب يحقق له هذا الهدف؟
ربما من السابق لأوانه إعطاء إجابة قاطعة على هذا السؤال، خاصة الآن، والاتفاق ما زال “خداجا” وفي أيامه الأولى، ولم يُطبق قراره الجوهري بعد، وهو الافراج عن الاسرى من الجانبين، ولكن ما يمكن قوله، ويتجنب الاعتراف به الكثيرون في معسكره، ان ما أجبر نتنياهو على القبول بالمرحلة الأولى من الاتفاق وتنفيذها بهذه السرعة عدة أسباب:
-
أولا: يريد نتنياهو مساحة من الوقت لالتقاط الانفاس، وتعزيز جبهته الداخلية السياسية والعسكرية، بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها.
-
ثانيا: وضع استراتيجية محكمة لإعادة السيطرة على ترامب وحكومته، وتعديل بوصلته، ومحاولة وضع استراتيجية جديدة لكسر العزلة الدولية، وتجنب تطبيق قرارات محكمة الجنايات الدولية التي ادانته كمجرم حرب.
-
ثالثا: تحقيق ولو انتصار عسكري واحد على السبع جبهات التي يقول انه يقاتلها في آن واحد، وأبرزها الجبهة اليمنية التي لم تتوقف صواريخها ومسيّراتها مطلقا، وفشلت 4 عدوانات في وقفها، وعدم رضوخ إيران للتهديدات والهجمات والعقوبات والحصارات الامريكية.
-
رابعا: فشل العدوان على لبنان في تحييد خطر “حزب الله” ونزع سلاحه، الثقيل منه والخفيف، وتوارد انباء عن قرب تبني قيادة الحزب الجديدة استراتيجية جديدة بالرد على الهجمات الإسرائيلية شبه اليومية، واستعادته قدراته على تصنيع الصواريخ الجديدة الدقيقة والمسيرّات.
-
خامسا: فشل مشروع الإطاحة بالنظام السوري الاسدي في تحويل البلاد الى ذراع ضارب في لبنان الى جانب حكومته وجيشه للمقاومة الإسلامية اللبنانية واغلاق الحدود كليا في وجه عمليات التهريب للأسلحة وتكنولوجيا الصواريخ، ومنع قيام جبهة مقاومة سورية وطنية في وجه الاحتلال الإسرائيلي “المقنع” للجنوب السوري.
-
سادسا: حركة المقاومة في قطاع غزة بشقيها كتائب القسام الحمساوية، وسرايا القدس التابعة للجهاد الإسلامي، ما زالت باقية وتتوسع، وتأثير الضربات الإسرائيلية لإضعافها، وربما زوالها، ما زال محدودا، فالصواريخ تُصنع وتنطلق من تحت الركام تجاه المستوطنات، وقذائف الياسين ما زالت على زخمها في قصف الدبابات وناقلات الجنود الإسرائيلية، واعداد كوادرها في تصاعد مرعب كلما طال أمد الحرب والسلاح موجود تحت ركام كل بيت، وفي كل خيمة، وكل نفق في القطاع، ونزعه من عاشر المستحيلات.