
أحمد الخاقاني
نجد الأب في كثير من الأحيان يغض الطرف عن زلة وَلَدِه، ويطوي على الأذى في صدره، ويستر العيب بستر التغاضي، رحمة ورأفة وحِلما.
يرجو أن يعودَ الغافلُ إلى رشده، وأن يفيءَ العاق إلى طاعته، غير أنّ الغرور إذا تملّكَ بعض الأبناء، أنساهم موضع النعمة، وأعمى أبصارهم عن جميل الأبوة وفضلها.
فتراه والعياذُ بالله يُنكرُ ولاية أبيه عليه، ويستخفُ برأيه، ويجعلُ لنفسِه بناء خارج المألوف من سنن الحياةِ الطيبة والدينِ الحنيف، متوهما أنه في منجاة وملجأ من الأبِ الراعي، ومن سلطانِ العدل وموازين الصدق.
لكنها ساعة لا بُد أن تأتي .
ساعة الحسابِ والموازين، حين ينهضُ الأبُ بحزم، فيبدأ أولًا بمن قتل في أبنائه الحياة الطيبة، وحارب فيهم نور الصلاح، ثمّ يُقيمُ الحسابَ على الخائن من الأبناء الذي أعانَ الظالم على أهلِ وأبناء جلدته.
ولئن تأخر التأديب زمنا، فإن يد العدل لا تُهمل، وإن طال الإمهال فليس غيابا عن الجزاء، بل حِكمة يُمليها اللهُ ليبلو الناس أيّهم أحسنُ عملا.
أما العجبُ كلُّ العجب.
فمن عبد باع نفسه بثمن بخس، دراهمَ معدودةٍ، وسلطان محدود، وجاه مزيف، وهو يعلم أنّ الله مطّلع على السرائر، شاهد على ما كان من غدر وتآمر، حاضر على ما أُخذَ بغير وجه حق.
والهوان كل الهوان لمن باع كرامته، وخان عهده، ونقض حبلَ الصدق والعدلِ الذي أمر اللهُ به.
أفلا يعلم أنه لن يشم ريح الجنة؟
أفلا يدرك أن النار مأواهُ، وفيها احتراقُ جسده وذُل نفسه؟
هيهات هيهات
ما نجا من عق أباه
ولا سلمَ من ظلم أهله
ولا ارتفع من باع ضميره بثمن زائل
فما للباطلِ بقاء
ولا للعقوق نجاة
ولا للظلم قرار