
أكد وزير الخارجية فؤاد حسين، أن العلاقات العراقية – الأمريكية راسخة ومبنية على أسس تاريخية واستراتيجية، نافياً وجود أي تراجع في الاهتمام الأمريكي بالعراق، ومشدداً على أن أولويات واشنطن تغيّرت باتجاه ملفات عالمية أخرى من دون أن يؤثر ذلك على طبيعة التعاون الثنائي. وتناول حسين في حديثه ملفات السياسة الخارجية العراقية والعلاقات مع دول التحالف الدولي والجوار الإقليمي، إلى جانب استعراض مسار الديمقراطية والتحضيرات الجارية للانتخابات المقبلة. كما تناول أزمة المياه والتحديات المناخية التي تواجه العراق والمنطقة، مشيراً إلى تحركات دبلوماسية مكثفة للتوصل إلى تفاهمات تضمن زيادة تدفق المياه في نهري دجلة والفرات. وتطرق حسين إلى ملف التصويت على السفراء الجدد، وكشف عن وجود فكرة لتغيير اسم وزارة الخارجية إلى وزارة الخارجية والعراقيين في المهجر، بما يعكس اهتمام الدولة بمواطنيها في الخارج، الذين يقدّر عددهم بنحو 6 ملايين. كما كشف أسباب عدم مشاركة العراق في اجتماعات ترامب مع 8 دول عربية وإسلامية بشأن غزة.
حسين في مقابلة مع الوكالة الرسمية، تابعتها وكالة عين شاهد:
العلاقات العراقية – الأميركية:
العراق والولايات المتحدة يرتبطان بسلسلة تفاهمات واتفاقات شاملة تغطي مجالات متعددة، تشمل الطاقة والاقتصاد والثقافة والتعليم والصحة، إلى جانب التعاون الأمني والعسكري. ومع اجتياح عصابات داعش الإرهابية للعراق عام 2014، بادرت واشنطن إلى تأسيس التحالف الدولي وقيادته دعماً للعراق في حربه ضد الإرهاب، ما يعكس عمق العلاقات الثنائية وتشعبها.
الإدارة الأمريكية الحالية تركز أولوياتها على ملفات أخرى تتعلق بعلاقاتها مع الصين وروسيا وأوكرانيا، فضلاً عن الشؤون الداخلية الأمريكية، فيما يشهد العراق اليوم مرحلة استقرار وأمن، تختلف جذرياً عن الوضع ما بعد سقوط النظام السابق وظهور الإرهاب والحرب على القاعدة وداعش.
العلاقات العراقية – الأمريكية لم تشهد إهمالاً، بل تغيرت طبيعتها بما يتناسب مع المرحلة الراهنة، لتصبح علاقات طبيعية ومتوازنة قائمة على المصالح المشتركة والتعاون المتبادل.
اجتماع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع 8 دول عربية وإسلامية خصص لغزة وفلسطين والحديث عن ما يسمى بـ “حل الدولتين”، ومن هذا المنطلق لم يحضره العراق إذ موقفه ليس مع ما يسمى بحل الدولتين، والقانون العراقي يمنع الدخول في هكذا مناقشات، ولا يوجد أي عزل لنا. كل الدول العربية بما فيهم الشعب الفلسطيني يطالبون بمسألة حل الدولتين، وهذا موقف يحتاج إلى دراسة من قبل الاحزاب الوطنية العراقية والكتل في البرلمان.
العراق وفلسطين:
موقف العراق ثابت وواضح في دعم حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، وهو حق مشروع نؤيده بالكامل، وخلال جميع مراحل العدوان على غزة، كان العراق من أوائل الداعين إلى وقف الحرب وفتح الممرات لإرسال المساعدات الإنسانية، مع رفضٍ قاطعٍ لأي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني.
التمثيل الدبلوماسي الأمريكي:
الإدارة الجديدة للرئيس ترامب تركت عدداً من المناصب شاغرة، خصوصاً في المستويات الوسطى داخل الوزارات، بما في ذلك وزارة الخارجية الأمريكية التي شهدت إبعاد عدد كبير من الموظفين الذين عملوا في عهد الرئيس السابق جو بايدن، من دون تعيين بدلاء عنهم حتى الآن.
جزء من هذه الأزمة يتعلق بتعيين السفراء الأمريكيين في الخارج، إذ يتطلب ذلك موافقة الكونغرس وهي عملية معقدة وطويلة، الأمر الذي جعل العديد من السفارات حول العالم بلا سفراء رسميين، وفي العراق يتولى حالياً قائم بالأعمال إدارة البعثة الدبلوماسية الأمريكية.
التحالف الدولي
وعن العلاقة مع دول التحالف الدولي، أشار حسين إلى أن “هناك نحو 85 دولة في التحالف ولدى العراق مع العديد من هذه الدول علاقات مهمة وقوية في عدة جوانب من بينها الأمني والعسكري، وهناك حالياً مباحثات لتعزيز التعاون مع فرنسا وبريطانيا وهولندا وإيطاليا ودول أوروبية أخرى وأيضاً الجانب الأمريكي، وهذه العلاقات تتحول من علاقات مع تحالف إلى ثنائية من خلال الوصول إلى تفاهمات أمنية وعسكرية سواء على شكل مذكرات تفاهم أو على شكل اتفاقيات.
قوات التحالف جاءت بدعوة من الحكومة العراقية لمحاربة داعش وليست قوات محتلة، وتواجد التحالف لم يكن كبيراً واقتصر على التدريب، وفي النهاية ستتحول هذه العلاقات إلى أمنية وعسكرية ثنائية.
علاقات العراق الخارجية:
سياسة العلاقات العراقية بدأت بالأولويات مثل بناء العلاقات مع دول الجوار الجغرافي والدول العربية والإسلامية، وبعد سقوط النظام السابق بدأت العلاقات أولاً مع الدول الغربية وحاولنا أن نكوِّن علاقات متوازنة في كثير من المراحل، وأصبحنا الوسيط لإعادة تطبيع العلاقات بين بعض الدول ومثال ذلك السعودية وإيران، حيث احتضنت بغداد 5 جولات من الحوار بينهما، وكذلك كان أول اجتماع لإعادة العلاقات بين مصر وقطر وكذلك بين مصر وإيران في بغداد.
العراق تحول من بلد يعاني من المشاكل والتحديات إلى بلد مستقر يساهم في حل المشاكل بين الدول، وعلاقاته قوية مع الكثير من الدول ويلعب دوراً مهماً في كثير من الساحات.
العلاقات العراقية – الإيرانية:
العراق تربطه حدود طويلة مع إيران ولدينا علاقات مشتركة مجتمعية وثقافية ودينية واقتصادية كثيرة ونفهم المجتمع الإيراني أيضاً سواء بالثقافة المشتركة أو بحكم الجوار.
العراق وسوريا:
التقييم العراقي للوضع في الدول المجاورة يقوم على إبداء الآراء ومتابعة التطورات دون التدخل المباشر، لأن استقرار هذه الدول يؤثر إيجاباً علينا، وعدم استقرارها يؤثر سلباً، وبالنسبة لسوريا فإنه لا يزال هنالك عناصر لعصابات داعش متواجدين في بعض المناطق القريبة من الحدود العراقية، ما يشكل تهديداً مباشراً لنا، لذا نحتاج إلى تنسيق وعمل مشتركين مع الجانب السوري لمواجهتهم.
وجهة نظرنا أن سوريا تحتاج إلى مسيرة سياسية شاملة تشرك جميع مكوناتها لخلق سلم مجتمعي حقيقي، عبر شراكة وثقة متبادلة، فالمكونات السورية اليوم تحتاج إلى الثقة فيما بينها، ويجب جمع الأطراف من الشمال إلى الجنوب ـ بما في ذلك الطائفة الدرزية ـ قبل أن تستغل قوى إقليمية هذا الفراغ، وهو ما نبهنا إليه الجانب السوري، إذ التقيت نظيري السوري نحو 8 مرات.
الديمقراطية العراقية:
المسيرة الديمقراطية في العراق متواصلة عبر التداول السلمي للسلطة، إذ تشهد البلاد استعدادات لإجراء سادس انتخابات تشريعية ديمقراطية، وحرية التعبير والتنظيم والصحافة، إلى جانب نشاط الأحزاب والتظاهرات، تمثل جميعها ركائز أساسية في بناء النظام الديمقراطي.
العراق خطا خطوات كبيرة في مسيرة الديمقراطية، وسيواصل ترسيخ هذا المسار، لأن لا بديل للمجتمع والسياسة العراقية عن الديمقراطية، لقد جُرِّبت أشكال الحكم كافة من ملكية وجمهورية وعسكرية وحكم الحزب والفرد الواحد، وكلها أدت إلى الدمار والحروب.
الديمقراطية تبقى الطريق الأمثل لبناء الإنسان والاستثمار فيه والنمو الاقتصادي، وبعد زوال الديكتاتورية أصبح المواطن العراقي حراً؛ يستطيع السفر والتعبير عن رأيه، في حين كان مجرد التفكير بذلك في السابق يُعد جريمة قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، أما الآن فالمظاهرات تُقام أمام الوزارات وترفع فيها شعارات ناقدة للحكومة بكل حرية.
الانتخابات ومخاوف التأجيل:
لا توجد حالياً أي مخاوف داخلية بشأن تأجيل إجراء الانتخابات، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات تواصل عملها بانتظام، والحملة الإعلامية للمرشحين انطلقت بالفعل ومع ذلك، يبدي البعض قلقه من احتمال اندلاع حرب في المنطقة، إذ لا يمكن التنبؤ بتصرفات رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، خصوصاً في ظل التهديدات المتصاعدة تجاه إيران. ومن هذا المنطلق، يرى البعض أن اندلاع نزاع إقليمي واسع قد يؤثر على العملية الانتخابية، إلا أن التقديرات تشير إلى عدم وجود مخاطر فعلية تهدد الانتخابات في الوقت الراهن.
أزمة المياه:
العراق يواجه تحديات مناخية جسيمة لا تقتصر عليه فحسب، بل تشمل المنطقة والعالم بأسره، غير أنها أكثر خطورة على بلدنا، فالجفاف والتصحر يضربان المنطقة بشدة، حتى أن الرئيس الإيراني طرح فكرة نقل العاصمة طهران إلى منطقة أخرى بسبب أزمة المياه، كما تأثرت تركيا أيضاً بتغير المناخ وتراجع مواردها المائية.
وبيّن أن “العراق لم يتخذ عبر العقود الماضية إجراءات كافية لمواجهة آثار التغير المناخي، والتحديات المناخية والجفاف في كل من إيران وتركيا انعكست سلباً على نهري دجلة والفرات والتدفقات الواصلة للعراق، وقد اختفت معظم الروافد القادمة من إيران، بينما واصلت تركيا منذ ثمانينيات القرن الماضي بناء السدود لأغراض توليد الطاقة وتنظيم المياه، ما أثر في حصة العراق المائية، ورغم المفاوضات المستمرة، لم يتم التوصل إلى اتفاق واضح يحدد تلك الحصة.
الحكومة تجري حواراً دائماً مع الجانب التركي، وقد قرر مجلس الوزراء قبل أسبوعين تشكيل وفد رفيع المستوى برئاستي وعضوية وزيري الموارد المائية والزراعة، إضافة إلى المختصين في مجالات المياه والبيئة والخارجية، وسنتوجه إلى أنقرة خلال الأيام المقبلة للتوصل إلى اتفاق مرحلي يضمن زيادة تدفق المياه، لأن الاتفاق الدائم صعب حالياً، إذ أن الموضوع يتطلب تفاهمات قانونية، حيث يرى الجانب التركي أن الأنهار محلية، فيما نعتبرها عابرة للحدود، ومع ذلك نحاول التوصل بالحوار إلى حلول عملية تضمن استمرار تدفق المياه في نهري دجلة والفرات.
حصر السلاح:
وجود أي سلاح خارج إطار الدولة أمر غير صحيح، ويجب أن يكون كل السلاح ضمن الدولة، ولحماية العراق نحتاج إلى تنظيم هكذا أمور داخلية وهي بحاجة إلى أن تطرح بجدية وتناقش للتوصل إلى حلول.
قائمة السفراء:
آلية اختيار السفراء جرى تنظيمها بحيث يكون جزء منهم من داخل الوزارة وآخر من خارجها، ونحن نواجه أزمة مزمنة، إذ لم يتم تعيين أي سفير جديد منذ عام 2009 باستثناء تعيين السيد جعفر الصدر في عام 2016، فيما يبلغ عدد السفراء 27 سفيراً، من بينهم 10 وصلوا إلى سن التقاعد، في حين تضم الوزارة 20 دائرة يحتاج كل منها إلى إدارة على مستوى سفير.
إجراءات الاختيار تبدأ بتقديم وزارة الخارجية قائمة بالأسماء إلى مجلس الوزراء للموافقة، ثم تُحال إلى مجلس النواب للتصويت عليها، وموضوعة تقديم قوائم للسفراء سبق وأن تعرضت للرفض المتكرر سابقاً، إذ قُدمت قوائم في عهد الوزيرين السابقين إبراهيم الجعفري ومحمد علي الحكيم وتم رفضها، وكذلك القوائم التي قدمناها خلال الحكومة السابقة.
خلال الفترة الحالية تم التوصل إلى توافق سياسي أتاح المضي في عملية اختيار وتعيين السفراء الجدد، الذين ستبدأ مسيرتهم الدبلوماسية من خلال خضوعهم أولاً لدورات تدريبية وتثقيفية مكثفة.
التصويت الأخير على تعيين السفراء أسهم في سد النقص في 73 تمثيلاً دبلوماسياً وبعثة خارجية، بينهم بعثات لدى منظمات دولية، وهو تطور مهم لتعزيز العلاقات الثنائية مع الدول، وخدمة ملايين العراقيين المقيمين في الخارج الذين يعتمدون على هذه البعثات في إدارة شؤونهم.
فكرة تغيير اسم الوزارة:
خلال اجتماعات الوزارة طُرحت فكرة إنشاء دائرة خاصة تُعنى بشؤون الجاليات العراقية في الخارج، إلا أن ذلك يتطلب صلاحيات غير متوفرة حالياً، لذا تم الاكتفاء بتأسيس قسم متخصص لمتابعة أوضاع العراقيين في الخارج.
من بين المقترحات أيضاً تحويل اسم وزارة الخارجية في الحكومة المقبلة إلى وزارة الخارجية والعراقيين في المهجر، بما يعكس اهتمام الدولة بمواطنيها خارج البلاد، ويعزز التواصل معهم على المستويين الإنساني والمؤسسي.
6 ملايين عراقي في الخارج:
العراق لم يُجرِ حتى الآن تعداداً سكانياً دقيقاً للعراقيين المقيمين في الخارج، لكن وفق دراساتي الميدانية يُقدَّر عددهم بنحو 6 ملايين شخص، وهناك سعي لتأسيس جالية عراقية منظمة ودائمة في الخارج، على غرار ما هو معمول به في دول مثل لبنان والمغرب والجزائر ومصر، التي تحمل وزاراتها تسميات تجمع بين الخارجية والمهجر.
الجالية العراقية في الخارج يمكن أن تؤدي دوراً مهماً في مستقبل البلاد، لاسيما أن بين أفرادها شرائح واسعة ممن أكملوا دراستهم هناك واكتسبوا خبرات في تخصصات مهمة، وبإمكانهم أن يسهموا في بناء الاقتصاد ونقل المعرفة والتكنولوجيا إلى العراق، بما يقلل الحاجة إلى الخبراء الأجانب.
العراقيون في الخارج يمتلكون أيضاً ميزات أخرى، منها إتقان اللغات الأجنبية والانفتاح على الحركات المجتمعية، ما يجعلهم جسراً حيوياً للتواصل والانفتاح.
من الضروري أن تتحول وزارة الخارجية في الحكومة المقبلة إلى وزارة الخارجية والمغتربين، لتُعنى ليس فقط بالعمل القنصلي، بل ببناء جسور التعاون بين العراقيين في الخارج وأبناء الوطن في الداخل.
استكمال التعداد السكاني ليشمل الخارج سيتيح إشراكهم في العملية الانتخابية، ليكونوا جزءاً فاعلاً من المسار السياسي، لكن ذلك يتطلب أولاً بناء قنوات تواصل حقيقية ومستدامة معهم.