
أ. د. جاسم يونس الحريري ||
تأسس الحشد الشعبي في حزيران/يونيو 2014، عقب اجتياح تنظيم “داعش” الارهابي لمساحات واسعة من العراق، ووصوله إلى مشارف بغداد.ونواة الحشد الشعبي هم من جميع القوميات والطوائف العراقية، وأثبت جدارته في محاربة العصابات التكفيرية؛ حيث حرر أكثر من 20 مدينة عراقية، وأمّن عشرات الطرق التي تربط بين المدن، فكانت هذه المدن والطرقات تشكل بمجموعها هلالا يطوق بغداد.
وجاءت ولادة الحشد استجابةً لفتوى “الجهاد الكفائي” التي أطلقها سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني ((دام ظله الوارف)) ، والتي دعت المواطنين إلى التطوع لحماية العراق من الخطر الإرهابي الداعشي. وبني الحشد الشعبي على أربعة أركان رئيسية وكما ياتي:-
1. البعد الوطني.
2.البعد العقائدي.
3.الالتزام بتوجيهات المرجعية.
4.البعد الاستراتيجي وعدم السماح بتضعيف محور المقاومة.
وقد أثبت الحشد الشعبي فاعليته خلال معارك تحرير المدن العراقية، خاصة في الموصل والفلوجة وتكريت، مما عزز موقعه كقوة رئيسية في المشهد الأمني العراقي.وفي 26 نوفمبر 2016، أصدر البرلمان العراقي قانونًا يقنن وضع الحشد الشعبي كجزء من القوات المسلحة العراقية، ما جعله مؤسسة عسكرية رسمية تخضع لإدارة القائد العام للقوات المسلحة. رئيس الوزراء
العراقي السيد محمد شياع السوداني أكد مرارًا أن الحشد الشعبي هو جزء من القوات المسلحة العراقية، وأنه يخضع للقوانين والأنظمة العسكرية.
وقال السوداني في مناسبة رسمية :”لقد حرصت حكومتنا علی تحصين الحشد بدعمه وتأهيله مثل باقي القوات الامنية لأنه كان عاملاً اساسياً من عوامل الامن التي مهدت طريق الحكومة للانطلاق بمشاريع خدمية وتنموية واصلاحات جوهرية ادارية واقتصادية يشهدها البلد في كل المجالات”.
وفي الاتجاه ذاته يؤكد السيد ((فالح الفياض))رئيس هيئة الحشد الشعبي ، أنّ الحشد «قوة رسمية» تخضع لقيادة القائد العام للقوات المسلحة وتنسجم مع القوات الأمنية الرسمية، مشدّداً على أن الحشد يدافع عن العراق «ضمن حدوده الجغرافية».وقال الفياض:”الحشد شعبي، قوته من الشعب واكتسب شخصيته من الشعب لذلك الحشد كلمة عامة والشعبي صفة خاصة لهذه الهيئة.
نحن نمثل تفاعل الشعب مع القوات الرسمية، مع قوات الجيش الباسلة ومع قوات وزارة الداخلية”.وتصاعدت الدعوات الامريكية لحل هيئة الحشد الشعبي في العراق، لكنها واجهت رفضاً قاطعاً من معظم الأطراف العراقية. وتصاعدت مساعي واشنطن وتل ابيب للضغط على الحكومة العراقية لحذف الحشد الشعبي من المعادلات العسكرية والأمنية. وخاصة بعد أن فشلت تل أبيب في غزة وبيروت الذي دفعهما لرؤية الحشد الشعبي مصدرا للخطر.ان هيئة الحشد الشعبي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الأمنية العراقية .
أن أي محاولة لحل الحشد الشعبي تمثل استهدافاً مباشراً للعراقيين، وتعد خطوة ذات أبعاد سياسية تسعى لإضعاف مكونات معينة تحت غطاء إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية. أن المساعي التي تبذلها واشنطن وتل ابيب لحل هذه الهيئة، التي قدمت تضحيات كبيرة في معارك الدفاع عن العراق، مصيرها الفشل. أن الحشد الشعبي يمثل اليوم قوة مؤثرة يصعب تجاوزها في المشهد السياسي والأمني العراقي، ما يجعل أي تحرك بهذا الاتجاه غير ممكن.
أن التهديدات المستمرة بعودة تنظيم داعش الإرهابي تتطلب الإبقاء على الحشد الشعبي باعتباره القوة الأساسية التي تصدت لهذا التنظيم سابقا. أن العراق يرفض بشكل قاطع أي تدخل خارجي أو فرض قرارات تمس سيادته وأمنه الداخلي. أن هذا الأمر مرفوض قانونياً وأخلاقياً.ان حل الحشد الشعبي سيُضعف القدرات الدفاعية للعراق ويزج به في منزلقات خطيرة،
وهو ما تسعى إليه واشنطن ضمن مشروع ((الشرق الأوسط الجديد))سيء الصيت الذي يهدف إلى جعل عواصم المنطقة ضعيفة أمام الأطماع الصهيونية والأمريكية. على المستوى السياسي، تبنّى قادة الحشد الشعبي دائماً مواقف مبدئية وعقلانية لدعم الحكومة والشعب في العراق، وهذا يدل على أن خدماتهم لا تقتصر على الشؤون العسكرية والميدانية على الرغم من أن دور هذه القوات استراتيجي في دحر تنظيم داعش الارهابي في العراق ولا يمكن إنكاره.
مما ولد غضب أميركا من الدور الاستراتيجي للحشد الشعبي. على الرغم من الدور المؤثر للحشد الشعبي في التحولات الميدانية في العراق، يبدو أن أميركا ترى أن ما تقوم به هذه القوات يتعارض مع أهدافها في العراق.
وخلال الحرب على الإرهاب في العراق لم تقدم واشنطن على أي عمل من شأنه دحر الإرهاب وإعادة الاستقرار إلى العراق بل أكثر من ذلك كانت تعمل على تهميش ما تقوم به قوات الحشد الشعبي وتسعى قدر المستطاع لإبعاد هذه القوات عن قاعدتها الشعبية، خاصة وأن هذه القوات استطاعت – ومن دون حتى أي ضجة إعلامية – أن تقوم بما لم تستطع أن تقوم به أميركا وأتباعها منذ 15 عاماً.
ولكن حتى اللحظة لم تستطع جميع حملاتها عزل الحشد الشعبي عن قاعدته الشعبية لأنه ببساطة ينتمي إلى العراق قلباً وقالباً ويحقق أهداف وطموحات هذا البلد ومقاتلي الحشد الشعبي هم من الشعب العراقي وليسوا مرتزقة جاؤوا من خلف المحيطات. وسيبقى الحشد الشعبي شوكة في عيون الصهاينة والامريكان معا لافشال والتصدي لكل محاولاتهم ومخططاتهم الخبيثة ضد امن وسلامة العراق.
بروفيسور العلوم السياسية والعلاقات الدولية