
د. علي المؤمن ||
خلال أسفاري المتعددة إلى بلدان شرق آسيا، زرت معابد البوذيين، والطاويين، والهندوس، والسيخ. وفي بلدان أخرى، زرت كنائس اليهود والمسيحيين، ومعابد الزرادشتيين، وغيرهم من أتباع المعتقدات السماوية والأرضية، والتقيت كهنتهم ورهبانهم وقساوستهم، وشاهدت عباداتهم وطقوسهم.
كما عشت في أكثر من بلد مع السنة، والوهابيين، والصوفيين، والدروز، والإسماعيليين، والزيديين، والتقيت علماءهم وشيوخهم. كنت أنظر إلى مشاهد إيمانهم واعتقاداتهم باحترام، ليس لأنني أؤمن بما يؤمنون به، بل لأنهم بشر مثلنا، وُلدوا ليجدوا أنفسهم في صلب هذه الأديان والمذاهب والمعتقدات. ولو لم أُولد في أسرة مسلمة شيعية متديّنة، لكنت ربما سنياً، أو مسيحياً، أو هندوسياً.
وبالتالي، لا أمتلك خياراً سوى احترام الآخر، والتعايش معه، وعدم محاربته أو الاعتداء عليه، إلّا إذا اعتدى عليّ. ومع مرور الزمن، ترسّخ لديّ نهج القبول، واللطف، والأدب في الحوار مع أولئك الكهنة، والرهبان، والقساوسة، والشيوخ؛
بهدف التعرف على معتقداتهم وشعائرهم وطقوسهم مباشرة، والاستماع إلى وجهات نظرهم بشأن الإسلام ومدرسة أهل البيت.
وفي المقابل، أطرح رأيي بكل احترام في مساحات الاختلاف، استناداً إلى الرؤية الإسلامية لمدرسة أهل البيت، والتعريف بهذه الرؤية. وخلال هذه الممارسة المستمرة منذ أكثر من أربعة عقود، لم أزدرِ يوماً أتباع دين أو عقيدة أو مذهب أو فرقة أو قومية أو شعب، ولم أسخر منهم، ولم أحاربهم، ولم أَنقُدهم بأسلوب فظ أو متعصب، مهما بالغوا في طقوسهم، بمن فيهم عوامهم، لأن الازدراء، والسخرية، والاحتقار، والنقد العدواني تتعارض مع بديهيات المعايير الإنسانية، والأخلاقية، والدينية.
لكن، وعلى النقيض من ذلك، نشاهد العلمانيين، واللادينيين، والمنفلتين عقدياً، وفكرياً، وثقافياً، وسلوكياً في بيئتنا العربية والإسلامية، مصابون بداء العدوانية؛ حيث يعلنون، بكل جرأة، ازدراءهم للمعتقدات والشعائر الإسلامية، ويسخرون من الطقوس الاجتماعية الدينية، ويحتقرون المؤسسة الدينية، رغم أنهم يعيشون في بلدان تبلغ نسبة المسلمين فيها أكثر من 90% غالباً.
بل إن قسماً منهم يستغل وسائل إعلام الدولة ومؤسساتها الثقافية والتعليمية للاعتداء على العقيدة والشريعة، والترويج للفكر العلماني، وثقافة اللادين، وسلوكيات الانفلات، من دون أدنى احترام أو مراعاة لمشاعر بيئته المسلمة.