
جليل هاشم البكاء ||
لا يحتاج السفيه إلى كثير من التحليل لفهم سلوكه، فهو نموذج يتكرر عبر الأزمنة، تجمعه سمات واضحة من التهور، والجهل، والشعور الدائم بالنقص. الرد عليه أو الانجرار وراء أفعاله السطحية لا يؤدي إلا إلى تضخيم وهمه الشخصي وزيادة اندفاعه الأهوج، فهو بطبيعته لا يفهم لغة الحوار ولا يقرأ المواقف إلا بمنظار الغرور والانفعال.
لكن تجاهل السفيه لا يعني ترك سلوكه يمر مرور الكرام، بل يتطلب كشف خلفياته وأسباب سلوكه المنحرف، التي غالباً ما تعود إلى اضطرابات نفسية واحتقان داخلي وشعور دفين بالعجز، يدفعه إلى تجاوز كل المعايير الأخلاقية والمنطقية في تعامله مع الآخرين.
من المؤكد أن من يتفاعل مع خطابات السفيه أو يمدحه هم أمثاله، من أصحاب العقول الفارغة والمواقف المتقلبة، الذين يجدون في هذا الصخب متنفساً لعجزهم وإخفاقهم الذاتي.
هذه الحقيقة تجسدت بوضوح في سلوك الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، الذي يعيش مأزقاً داخلياً واضحاً ويعاني من هزيمة سياسية ومعنوية متراكمة، خصوصاً في تعامله مع إيران وقيادتها. ترامب، الذي لم ينجح في إدارة الملفات الداخلية والخارجية بقدر من التوازن والواقعية، يجد نفسه اليوم مأزوماً ومهزوماً أمام صلابة الموقف الإيراني، الذي يقوده السيد علي الخامنئي بثبات وحكمة ورؤية استراتيجية تتجاوز ردود الأفعال وتقوم على تراكم التجربة والصبر السياسي.
تصريحات ترامب المتشنجة والمتكررة تجاه إيران ليست مجرد مواقف سياسية تقليدية، بل تعكس بوضوح حالة التوتر والاحتقان التي يعيشها هذا الرجل أمام نموذج القيادة الراسخة الذي يمثله الخامنئي، وهو نموذج يستفز ترامب لأنه يفضح ضعفه وعجزه عن فرض هيمنة أو إملاءات على طرف يتمسك بسيادته وكرامته الوطنية رغم كل أشكال الحصار والضغوط.
ترامب، بعنجهيته المعهودة، لم يُظهر هذا القدر من الحقد والانفعال أمام زعماء آخرين، والسبب بسيط، فمعظمهم يدخلون في حساباته التجارية أو السياسية ويمكنه التعامل معهم بلغة الصفقات، بينما يواجه مع إيران وقيادتها موقفاً صلباً لا يُشترى ولا يُباع، ولا يُخضعه التهديد ولا الترغيب.
السفيه حين يُحاصر داخلياً بأزماته السياسية وفضائحه الشخصية، يبحث عن شماعة خارجية يعلق عليها فشله، فيأتي الموقف الإيراني ليضاعف أزمته ويزيد من مشاعر النقص داخله، فيندفع نحو التصعيد اللفظي والهروب إلى الأمام، معتقداً أن صوته المرتفع يغطي على عجزه المتزايد.
لهذا، التعامل مع سفيه مثل ترامب لا يكون بالانجرار وراء استفزازاته، بل بتجاهله الواعي، مع فضح أزماته النفسية والسياسية أمام الرأي العام العالمي، ليبقى موقف إيران وقيادتها صامداً كالجبل، بينما تتكسر عنده موجات الحماقة والصخب التي لا تصنع واقعاً ولا تغيّر معادلات، بل تفضح من يصدرها وتُظهر للجميع الفارق الشاسع بين صلابة الفقيه وارتباك السفيه.