
د . وسام عزيز
شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيدًا خطيرًا بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني، تمثّل في ضربات عسكرية متبادلة، واغتيالات مركزة، وهجمات سيبرانية، واشتباك استخباري وأمني غير مسبوق. ومع تصاعد الأزمة، كان العالم يترقّب انفجارًا إقليميًا واسع النطاق، لولا تدخل عوامل استراتيجية حاسمة غيّرت مسار الأحداث، أهمها تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز واستهدافها التحذيري لقاعدة العديد الأمريكية في قطر.
مضيق هرمز: شريان النفط العالمي في قبضة طهران
يُعد مضيق هرمز واحدًا من أهم الممرات المائية في العالم، حيث يمرّ عبره ما يقارب 20% من إمدادات النفط العالمية. وقد شكّل التهديد الإيراني الواضح والصريح بإغلاق المضيق في حال استمرار العدوان الصهيوني أو أي تدخل أمريكي مباشر نقطة تحوّل استراتيجية في طبيعة الأزمة.
لقد فهمت واشنطن والعواصم الغربية جيدًا أن إيران لا تطلق تهديداتها عبثًا، وأن أي خطوة من هذا النوع ستؤدي إلى ارتفاع جنوني في أسعار الطاقة، وانهيارات اقتصادية واسعة، وتعطيل سلاسل الإمداد العالمية.
قاعدة العديد: الرسالة التي قرأتها أمريكا جيدًا
ضربة بالستية دقيقة نفذتها قوات الحرس الثوري الإيراني، استهدفت منطقة قرب قاعدة العديد في قطر — التي تُعد مركزًا عملياتيًا أساسيًا للقيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) في الشرق الأوسط. هذه الضربة لم تكن فقط إشارة تكتيكية، بل رسالة استراتيجية بأن الوجود الأمريكي في الخليج لن يكون بمنأى عن الرد الإيراني.
وقد أكد مسؤولون أمريكيون أن هذه الضربة أجبرت البنتاغون على إعادة تقييم موقفه بالكامل، بل وأدت إلى تجميد الدعم الفعلي لإسرائيل في تلك اللحظة الحرجة، والضغط عليها لإنهاء التصعيد العسكري.
هنا يتبادر للذهن سؤال هل نهاية الحرب كانت تسوية قسرية أم انتصار استراتيجي لإيران؟
مع تصاعد الخسائر الإسرائيلية، واستنزاف قدراتها العسكرية، ومع إدراكها أن أمريكا لن تخوض الحرب نيابة عنها، وجدت تل أبيب نفسها أمام معادلة مستحيلة: الاستمرار في المواجهة يعني توسيع رقعة الحرب إلى الخليج، وانهيار الاقتصاد العالمي، وتهديد المصالح الغربية. فكان القرار بالانسحاب ووقف العدوان.
من جهة أخرى، بدا واضحًا أن إيران قد نجحت في فرض قواعد اشتباك جديدة، تثبت من خلالها أنها قادرة على الدفاع عن سيادتها، وردع أي اعتداء صهيوني، واستعمال أوراقها الجيوسياسية والجيواقتصادية بفعالية فائقة.
ما حدث لم يكن مجرد نهاية لموجة تصعيد، بل كان انتصارًا لمحور المقاومة بقيادة الجمهورية الإسلامية، وثبّت حقيقة أن المنطقة لم تعد ملعبًا مفتوحًا لأمريكا وإسرائيل. لقد كان التهديد بغلق مضيق هرمز، واستهداف قاعدة العديد، بمثابة قفل مزدوج على طموحات العدو، وانتصارًا استراتيجيًا سجلته إيران بدماء شهدائها وصبر شعبها وحنكة قيادتها.