
غنى شريف
انتهت الحرب... لكن آثارها بدأت للتو. اثنا عشر يوماً من النار والدم والرعب، خاضت فيها إيران مواجهة مباشرة وغير مسبوقة مع "إسرائيل" بدعم أميركي واضح، شكّلت نقطة تحوّل في مسار الصراع في المنطقة. ولأول مرة، ضربت إيران قلب الكيان بصواريخ دقيقة، وأظهرت قدرة تكنولوجية وتكتيكية هزّت منظومة الردع "الإسرائيلية" بالكامل.
لكن المفاجأة لم تكن فقط في القوة، بل في القرار الحكيم بالتهدئة، حيث أعلنت إيران قبول وقف إطلاق النار، انطلاقاً من التزامها بتعاليم الشريعة الإسلامية والقرآن الكريم ، لا من موقع ضعف أو ضغط دولي. فقد قالها مرشد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي بوضوح سابقاً:
"نحن نواجه عدواناً، لكننا لا نسعى للحرب. إن القرآن يرشدنا إلى السلم حين يكون فيه عزّة، وإلى الحرب حين تكون فريضة. ونحن نتحرك بما تمليه علينا الشريعة، لا المصالح السياسية الضيقة."
إيران، إذن، جنحت للسلم من موقع قوة ، لا استسلام. فقد أثبتت في هذه الجولة أنها تملك اليد العليا، وأثبتت للعدو أنها إن ضربت، لا تكتفي برد رمزي، بل تكسر المعايير وتعيد تعريف الردع.
اليوم، وبينما تحتفل طهران بما تسميه "نصراً في ساحة الوعي والسيادة"، تبدو "تل أبيب" غارقة في جراحها النفسية والعسكرية، تجري تقييمات فاشلة وتحاول امتصاص صدمة الرأي العام، الذي شاهد الملاجئ تعجّ، والطائرات تعود خائبة، والحكومة عاجزة عن الردّ بالمستوى الموعود.
لكن، ورغم وقف النار، فإن الأنظار متجهة إلى شروط إيران التي قيل إنها فرضتها لإبرام الاتفاق: وقف كل أشكال التحريض والاعتداء على الأراضي الإيرانية، التزام واضح من الأميركيين بعدم التورط في دعم أي عملية مستقبلية تستهدف أمن إيران، وضمانات بإعادة النظر في التموضع العسكري الأميركي في المنطقة.
الكرة الآن في ملعب "الضامن" والوسيط، أما الاتفاق فليس سوى هدنة مشروطة، قد تصمد أو تنهار وفق السلوك القادم للعدو.
ختاماً، ما قبل 12 يوماً ليس كما بعدها:
"إيران أكثر قوة واتزاناً"
"إسرائيل" أكثر ضعفاً تفككاً"
والشارع العربي والإسلامي يرى بوضوح من يملك القرار، ومن يتخبط بالدموع.
فإذا كان هذا زمن السلم، فهو سلام المنتصر... لا المهزوم.