
الباحث السياسي يوسف صاحب محمد السعيدي ||
يغلب على تحليل وحديث عدد من محللينا السياسيين والعسكرين طابع التقادم والتقليد و(الكلاسكية ) ، إذ لم يحدّث الكثير منهم أدواته و معارفه، فتراهم لا يزالون يعيشون في زمن القاذفة RBG7 والقنبلة اليدوية للأفراد والدروع والبندقية الكلاشنكوف، غير واعين لتحوّل ميدان الصراع إلى ساحات الحرب السيبرانية والطائرات المسيّرة والأقمار الاصطناعية والصواريخ فرط صوتية .
ولا غرابة أن تجد أحدهم، رغم ظهوره المتكرر في الفضائيات، يعجز عن كتابة ثلاث جمل فصيحة على هاتفه المحمول، أو نسخ ولصق فقرة دون خطأ من محرّك بحث((googleاو غيره ، ثم إذا به يظن نفسه محللا فذا وفاز بما لايقدر غيره على الفوز والوصول ، لمجرّد أنه ظهر على شاشة، أو استُضيف في حديث عابر.
وكتب وعلق له طلبته او معجبيه للمجاملة ،ويغيب عن باله أنه يسيء لنفسه أولاً، ويهين وعي المتلقّي ثانيًا، ويبدو أمام الجيل الجديد بائسًا في أدواته، ضعيفًا في منطقه.متصورا انه قبض الثمن ولايكترث بما تحدث به لشعوره ان ماتحدث به لن يفهمه الآخرين من هذا الجيل بل انه مجرد كلام يقبض مقابله الثمن.
ولا يدرك ان هذا الجيل الحالي وان لم يحصل على شهادات عليا او دون ذلك ، اذ لم تسنح الفرصة لهم للتعلم، يتفوّقون عليه في الوعي والمعرفة الرقمية، ويملكون من البصيرة ما يميّز به الغث من السمين ، والصدق من الكذب، قادرين على ان يكتشفوا هشاشة من لم يطوّر نفسه ولا عقله ولا يواكب العلوم الحديثة .
لقد نشأ هؤلاء على إعلامٍ مُتَجَزِّئ في زمن النظام المقبور، فصدقوا الأكاذيب، وانخدعوا بخطب “القائد الضرورة”، حتى صار بعضهم يعلّق صور الطاغية على الجدران، ويضع مذياعًا بجانبها، لأنه لا يطيق الانفصال عن ذلك الماضي المزيف.
أما اليوم، فالحروب تغيّرت، والتحليل تغيّر، والسياسة باتت علمًا ومعرفة لا اجترارًا لمقولات قديمة، ولا محاكاة لزمن ولّى. ومع ذلك، ما زال بعضهم يعيش على أطلال شعارات مضى زمنها، ويظنّ كل ما تقوله أمريكا صوابًا، وكل ما تقوله إيران مبالغة. هذا ليس تحليلًا، بل ارتداد عن الفهم، وركونا للكسل.
وما يُثير الأسى أن كلّ من تعلّم شيئًا بات يخوض في كل شيء، من السياسة إلى الاقتصاد وعلم النفس والجيولوجيا والفيزياء والهندسة والطب ، دون مراعاة للحدود العلمية أو الأخلاقية. فليس غريبًا أن نمنع الطبيب من التدخل في تخصّص زميله، لكننا نسمح لكل من امتلك شهادة بسيطة أو حضر ندوة أن يفتي في السياسة الدولية وتحليل الصراعات؟
إن احترام التخصص، ومواكبة العصر، وتحمّل المسؤولية العلمية والفكرية، ليست ترفًا، بل ضرورة لكل من أراد أن يُسمع له، لا أن يُستثقل حضوره ويُستهزأ بكلامه. فالسياسة لم تعد ساحةً للشعارات، بل ميدانًا للفهم الدقيق والرؤية العميقة.
في أثنتا عشر يوما راينا حجم الكذب والخداع في إعلام العدو الصهيوني يقابله إعلام الجمهورية اعلاما غاية في الدقة واختيار الجمل بما لايحتمل الشك ، نعم نجد فيها مناورة ذكية لكننا لم نشهد مبالغة مفرطة وتهديدات فارغة، فكل ما قالته عملت به،
رغم ان معضمنا لايدرك حجم المصاعب التي تتوجب على دولة بحجم ايران ان تقول مالا تفعل، وهي تحارب عدوا خطير يمتلك كل أنواع الأسلحة والقدرات الاستخبارية والأقمار الصناعية. إيران حاربت العالم المتقدم، وأجواءها شبة مسيطر عليها بالرصد وبالتدقيق والبحث، وندرك كم هي مهمة صعبة ان تطلق صاروخا فرط صوتي ولا تلاحظه الطائرات وتدمر القاعدة التي أطلقته،
ماشهدناه اليوم اكبر من وعي هؤلاء المحللين والخبراء العسكرين ، بان الفارق في تحليلهم اذ سرعان ماتنكشف ضعف تحليلاتهم ومدى تفاهتها ؛كونهم عاصرو تلك الحقبة المظلمة من حرب الخليج وكيف كشف زيف ادعاءات قائد الضرورة وهم غير ملومين كثيرا ؛
لانها انعكاس قرون من الكذب والتضليل ، والعنتريات الفارغة، وهم ليس لديهم مايغنًي تجربتهم سوى المقارنة بين ماتعلموه من من الأكاذيب السائدة في تلك الحقبة المظلمة وبين مايحصل اليوم ، فمن الجرم المقارنة بينهما كالذي يقارن لفتوحات الإسلامية في الدولة الأموية والعباسية وبين معركة الامام الحسين (ع) الخالدة.