
المهندس علي جبار الفريجي ||
مختص بأدارة الازمات ..
إن ترديد عبارة “العراق يعود إلى الحضن العربي” ما هو إلا استسهال مخلّ للحقائق، وتبسيط ساذج لمكانة العراق الإقليمية والتاريخية. بل إنها – بوعي أو دون وعي – اختزال لمجد أمة، وإهانة مواربة لبلد لم يكن في يوم من الأيام تابعًا، ولا طارئًا على خارطة القرار العربي أو الإقليمي.
الحقيقة التي يجب أن تُقال بوضوح، أن العراق لم يغادر مكانه الطبيعي في صلب التوازنات، بل الدول العربية هي من ابتعدت عنه في لحظة ضعفها السياسي، وترددها في فهم العراق الجديد بعد 2003. إن العودة الحقيقية ليست بعودة العراق إلى أحد، بل بعودة الآخرين إلى العراق، إلى الاعتراف بمكانته، وتحمل مسؤولياتهم تجاهه كدولة مؤسسة للهوية العربية نفسها.
العراق دولة محورية… لا تابع في منظومات الاصطفاف
ليس العراق ساحة انتظار أو هامش قرار. هو محور أساس، شاء من شاء وأبى من أبى. وإن من يريد الحديث عن الشراكة مع العراق، فعليه أولًا أن يدرك أن العراق لا يركض خلف أحد، بل ينتظر من يعيد له اعتباره في منظومة العلاقات الإقليمية، على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، لا على أساس “العودة للحضن” وكأنه كان ضالًا ثم اهتدى.
استحقاق الداخل أولاً: لا بناء من دون تطهير المشهد السياسي
ولكي يستعيد العراق مكانته المستحقة، فعليه أن يبدأ أولاً من الداخل. بتنقية المشهد السياسي من الطارئين، ومن ورثة الصدفة الذين أجهدوا الدولة، وأهدروا طاقاتها، وعلّقوا فشلهم على الخارج. المطلوب اليوم قيادة تؤمن بأن العراق وطن يُدار لا يُستهلك، يُبنى لا يُستنزف، وتملك رؤية لإرساء مشروع وطني جامع، يتقدم فيه الاقتصاد السياسي على الشعارات، والمصلحة الوطنية على الولاءات.
العراق أولًا… في التوازن الإقليمي والدولي
العراق ليس بلدًا هامشيًا، بل نقطة ارتكاز محورية في توازنات الإقليم. وإذا أرادت الدول أن تصنع معها عراقًا مستقرًا وشريكًا فاعلًا، فعليها أن تتعامل معه من منطق الندية والاحترام، لا من منطق “الاحتواء”. أما نحن، فإننا لا نحتاج إلى حاضنة سياسية، بل إلى إرادة وطنية حرة تبني العراق من الداخل، وتعيده فاعلًا ووازنًا ومبادرًا على الساحة الدولية.
نهاية زمن الشعارات… وبداية بناء الدولة
لقد تعب العراقيون من ترديد الشعارات، وتكرار العناوين، والاكتفاء بالرمزية. آن الأوان أن نقولها بوضوح: العراق لا يعود إلى أحد، بل هو يعود إلى نفسه، ويستعيد قراره، وينهض بقياداته الوطنية، ويعيد رسم خارطة المصالح من موقع القوة والسيادة والكرامة.