قاسم الغراوي ||
رئيس مركز انكيدو للدراسات

ان ادارة ترامب تختلف عن بقية الادارات الاميركية من حيث ان شخصية ترامب هي شخصية ((غير سياسية)) جاءت من خارج الوسط السياسي.

يُعرف عن دونالد ترامب أسلوبه التعامليّ (transactional) في السياسة، حيث يربط كلّ قرار بصفقات اقتصادية ملموسة، ويعتمد على مبدأ “أنا أبرم الصفقات” (the dealmaker) لتحقيق أهدافه الشخصية والوطنية، مع تركيز كبير على الهوية القومية و”أمريكا أولاً” كقيمة أساسية في خطابه وبرامجه .

ترامب جاء بحركة MAGA ((لنجعل اميركا عظيمة مرة اخرى)) وهذه الحركة و من ينطوي تحت شعارها من كبار رجال الاعمال المتضررين من الصين وطموحاتها، هي من تدعم ترامب وتجعله في نفس الوقت ((متحرر)) من الحسابات السياسية و من قيود اللوبي الاسرائيلي.

شخصيّاً، يظهر ترامب ميلاً إلى الخطاب الاستفزازي واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإملاء أجندته، مع اهتمام بالتفاصيل البصرية والإعلامية حتى في اللقاءات الدبلوماسية (كالوصف الذي أطلقه على الرئيس السوري أحمد الشرع بـ”شاب جذاب”)، مما يعكس توجّهاً شعبويّاً يتركّز على الانطباع العام والشخصيّة القويّة والأُحادية النبرة .

رؤيته تجاه دول الخليج (السعودية وقطر والإمارات)
السعودية: اعتُبر جولته الخليجية فرصة لتعميق الشراكة التجارية والعسكرية مع الرياض، إذ أعلن عن تعهد استثماري سعودي بقيمة 600 مليار دولار في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والقطاع الدفاعي، إضافة إلى الاتفاق على بيع طائرات حربية وتجهيزات بقيمة نحو 142 مليار دولار لأضخم حزمة تعاون دفاعي في تاريخ العلاقات بين البلدين . كما شهدت الزيارة توقيع اتفاقات أولية لـ”أرامكو” بقيمة 90 مليار دولار مع شركات أمريكية في مجالات الطاقة والبتروكيماويات والذكاء الاصطناعي .

-قطر: تمخّضت زيارة ترامب الدوحة عن صفقة طائرات بوينغ بقيمة 96 مليار دولار تشمل 210 طائرة من طراز “دريملاينر” و”777X”، إضافة إلى تعهد بإنفاق قطري ضخم يصل إلى 243.5 مليار دولار على مشاريع مشتركة مع شركات مثل مايكروسوفت وأوراكل . كما أعلن عن استثمار قطري بقيمة 10 مليارات دولار في قاعدة “العديد” الجوية أكبر منشأة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط .
-الإمارات: يسعى ترامب لإضعاف ضوابط تصدير التكنولوجيا الأمريكية لدعم صفقة استيراد 500 ألف شريحة ذكاء اصطناعي متقدمة سنوياً للإمارات ابتداءً من 2025، بهدف بناء مراكز بيانات عالية القدرة، رغم اعتراضات أمنية داخلية في الولايات المتحدة .

استراتيجيته في مجال الأمن والحروب والاقتصاد
تعتمد استراتيجيته على العقوبات والتصعيد التجاري في آنٍ معاً:
-اقتصادياً، أطلق “أمريكا أولاً” كأولوية قصوى، مع فرض رسوم جمركية وتقييد الصادرات تجاه خصوم مثل الصين، ما أدى إلى زيادات في تكاليف المستهلكين وهزات في الأسواق العالمية .
-عسكرياً وأمنياً، يقلّل من التدخّلات العسكرية الواسعة خارج إطار الصفقة، مفضّلاً الاعتماد على شركاء محليين من خلال صفقات أسلحة ضخمة، كما فعل مع السعودية وقطر، ويستخدم استثمارات الحلفاء لتمويل قواعد عسكرية أمريكية (قاعدة العديد مثالاً) .
-سياسياً، سعى لرفع بعض العقوبات (مثل سوريا) كوسيلة ضغط تفاوضية، وأعلن عن إمكانية إلغاء عقوبات قديمة مقابل تنازلات في ملف التطبيع والعلاقات مع إسرائيل .

علاقته مع الصين وروسيا
-مع الصين: يتبنّى نهجاً متقلباً؛ من جهة يواصل فرض تعريفات جمركية ويصف بكين بأنها “أكبر تحدّ اقتصادي”، ومن جهة أخرى يظهر استعداداً لإبرام صفقات تكنولوجية كشرط تفاوضيّ، فقد أحيى خطة لبيع شرائح ذكاء اصطناعي خليجية قد تؤثر على إمدادات الصين .

-مع روسيا: يحاول دقّ إسفين بين موسكو وبكين عبر سياسة “قبّلة جيمثاق” (Reverse Kissinger)، * إلا أن التحالف الصيني-الروسي يزداد متانة رغم جهوده، حيث تستمر روسيا في تزويد الصين بالطاقة والتكنولوجيا الممنوعة، بينما تعتمد الأخيرة على السوق الروسية لمواجهة العقوبات الغربية .

بالتالي، تشكّل سياسة ترامب خليطاً من المعاملات الاقتصادية الكبيرة مع الحلفاء الخليجيين، والتصعيد التجاري مع الخصوم، ونهج أمني-عسكري قائم على الصفقات، في إطار رؤية “صفقات أولاً” القائمة على المنفعة الملموسة والمتبادلة.

* سياسة “قبلة جيمثاق” أو ما يُعرَف بـ “Reverse Kissinger” تستوحي فكرتها من تجربة هنري كيسنجر في السبعينيات، حين انخرطت إدارة نيكسون في اقترابٍ دبلوماسي من الصين بهدف عزل الاتحاد السوفييتي وتقويض تحالفه مع بكين. بعبارة أخرى، كيسنجر استخدم “التثليث الدبلوماسي” (triangular diplomacy) لجذب الصين بعيدًا عن الاتحاد السوفييتي، مما أعاد تشكيل موازين القوى خلال الحرب الباردة