
د. علي المؤمن ||
ثمة فرقٌ شاسعٌ بين التواضع الجوهري والتواضع المظهري. فهناك كثيرٌ من المتواضعين والترابيين، والزهّاد في ملبسهم ومركبهم ومسكنهم، بل وحتى في أخلاقهم، لكنهم في داخلهم يخفون تكبراً وتعالياً واستبداداً صادماً. وتزداد خطورة هذه الحالة النفسية المرضية عندما تصيب أهل العلم، سواء في المجال الديني أو المدني.
غالبية هؤلاء يرون أنفسهم الأكثر فهماً وعلماً ووعياً بين البشر، وينظرون إلى الآخرين بازدراء واحتقار إذا خالفوهم الرأي والهوى، وتستطيع أن تكتشف هذا التعالي من خلال تعليقاتهم وكلماتهم، أو تعابير وجوههم وإيماءات أيديهم وحركات أجسادهم.
أحد هؤلاء، توفاه الله، كان صديقاً عزيزاً، يتمتع بغزارةِ علمٍ وإبداعٍ فكري، ويجمع بين شهادتي الاجتهاد والدكتوراه، وكان متديناً ومتواضعاً، وزاهداً في ملبسه ومسكنه وأكله وأخلاقه، لكنه كان في داخله متكبراً ومستبداً. وعندما أدركت هذه المفارقة فيه من خلال مواقف متعددة، صرت أمازحه قائلاً: ((أنت زاهد في مظهرك وطاغوت في جوهرك)).
مثالٌ آخر طريفٌ لأحد هؤلاء المتواضعين الزهّاد المظهريين، والذي يخوض، منذ عرفته، معارك مستمرة ضد المتكبرين والفاسدين، وينتقدهم بحدة وتهريجٍ مبالغٌ فيه، لكنه في حديثه عن نفسه وعن الآخرين، وفي تقييمه لوعيه وعلمه وقدراته الخارقة، يبدو أكثر تكبراً وطغياناً وعدوانية من أولئك الذين ينتقدهم، بل أن فساده الأخلاقي قد يفوق فسادهم.
هؤلاء ليسوا منافقين، لكنهم مبتلون بفصام خطير.. حالة (شيزوفرينيا) وازدواجية مرعبة، لأنها تنطوي على عنف نظري داخلي. وعندما تظهر تلك الحالة فيهم، ستصدمك بشدة، رغم أنهم يبدون مسالمين أبرياء.
شخصياً، أشعر بالخوف من بعض هؤلاء أكثر من خوفي من المتكبرين المظهريين. فكم من متكبر في مظهره وأخلاقه يخفي قلباً أبيض وصفاءً داخلياً وتواضعاً حقيقياً، وقد يدهشك تواضعه الجوهري حين تقترب منه، كما قد يصدمك تكبر المتواضع المظهري.