
محمود الهاشمي ||
مدير مركز الاتحاد للدراسات الاستراتيجية
عام ١٩٧٥ هو العام الذي اقرت فيه الجمعية العامة للامم المتحدة ان (الصهيونية حركة عنصرية )وطالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيدولجية الصهيونية التي حسب القرار تشكل خطرًا على الأمن والسلم العالميين.
سئل احد كبار المفكرين الاميركان يومها عن مصير اسرائيل فرد (مصير اسرائيل مرتبط بمصير الولايات المتحدة )التي وقفت ضد القرار بقوة واكد (زوال اسرائيل ياتي عندما تزول الظروف التي انشأتها )..
كان ذلك العام حافلا بالكثير من الاراء والافكار التي تتحدث عن نشأت اسرائيل والظروف الدولية التي كانت وراء انشائها وحملوا بريطانيا المسؤولية واخرون حملوا دول الغرب بشكل عام لكن الجملة الاهم كانت (تزول اسرائيل عندما تتحول الى عبء على امريكا)!
وقفت الولايات المتحدة مع الكيان الصهيوني المغتصب لارض فلسطين لثلاثة اسباب
الاول لانها ترعى المصالح الاميركية بالمنطقة والثاني لان الحركة الصهيونية استطاعت ان ترسخ عقيدتها بالشكل الذي يؤثر على القرار الاميركي والثالث الخشية من عودة اليهود الى الغرب فيصنعوا الازمات فقد اوجدوا لهم مكانا وتخلصوا من مشاكلهم .
هذا الدعم امتد مع عمر الاحتلال الصهيوني لارض فلسطين لدرجة ان امريكا استعملت حق الفيتو منذ اولى جلسات مجلس الامن ٤٥ مرة لصالح اسرائيل .
في معركة (طوفان الاقصى )كانت المنازلة على اشدها فقد واجه الكيان المغتصب عدة محاور اسناد للمقاومة اضطر فيها المسؤولون الاميركان ان يهبطوا تباعا بمطارات اسرائيل ويرددون (نحن يهود )قبل ان نكون اميركان فيما لم يتركوا سلاحا فتاكا في مخازنهم الا وكان بين يدي الصهاينة ..
كان الجميع يتصور ان المعركة لاتدوم الى هذا الحد الذي تجاوزت فيه العام والنصف ومازالت شروط حماس كما هي ومازال سلاح المقاومة بايدي المقاتلين واسرائيل بنفس عنجهيتها .
لااحد يشك ان الولايات المتحدة ليست الولايات المتحدة من قبل وان بدايات
انهيار حضارة الغرب قد تيقن منها الجميع ،وإنّ تنازل امريكا عن اهم اصدقائها (دول اوربا)لم يعد خافيا على احد بسبب ان امريكا بدأت تشعر بثقل دول اوربا عليها فدلفت عنهم باتجاه مصالحها والتطابق مع شعار (امريكا اولا )!
تغيّر اكثر من (٧٠٪)من اليات الادارة الاميركية سواء على مستوى الداخل او الخارج يجعلنا نثق ان ليس هنالك من دولة بعيدةّ او قريبة الاّ وسيطالها هذا (التغير )فالهيمنة الاميركية هي الاكبر منذ تاريخ البشرية حيث قواعدها ال(٧٥٠)تغطي مساحة الكرة الارضية وهي الدولة الاقوى اقتصادا وتاثيرا على القرارات الدولية لكن قانون (انهيار الحضارات )لم يستثنِ حضارة دون اخرى ..
اسرائيل لم تحاول ان تقرأ هذا (التحول العالمي) ومازالت تعيش نشوة (الهيمنة الاميركية على العالم )وان (امريكا طوع توجهاتها )سواء تطابق ذلك مع الاهداف الاميركية او لم يتطابق ،واستمرت بمشاريع القتل والتنكيل والتهجير الذي مارسته من اول ايام دخولها الى ارض فلسطين قبل الاحتلال وحتى يومنا هذا ..
كان على زعيم اسرائيل نتنياهو ان يتفهم (الجفوة ) الاولى التي تلقاها من الرئيس الاميركي ترامب في اول لقاء له به بعد تسلمه مقاليد السلطة بالولايات المتحدة ،وان (لايحرج ) امريكا في ظروفها الجديدة وشعارها (امريكا اولا) لكن وضع نتنياهو الداخلي لم يساعده فهو المتورط سياسيا واقتصاديا وعسكريا وعليه ان يحقق منجزا دون النظر الى (مصير العلاقة )مع الولايات المتحدة ،او لا حتى لمصير (اسرائيل )نفسها .
كما كان عليه ان يتعلم (في ولاية ترامب الثانية، لا مكان للصداقة الدائمة، بل للمصالح المتغيرة حسب التوقيت)كما يصف ذلك الكاتب الاميركي توماس فريدمان ويؤكد ايضا في صحيفة نيويورك تايمز باعتباره مواطنا اميركيا بالضد من حكومة نتنياهو (هذه الحكومة الاسرائيلية ليست حليفتنا ) داعيا الرئيس الاميركي ترامب في زيارته المقبلة الى السعودية والامارات وقطر الى عدم اللقاء بنتنياهو لانه يتصرف بعيدا عن المصالح الاميركية . ”
صحيح ان عناصر يهودية تملأ مقاعد الكونكرس الاميركي وتبدو منحازة لاسرائيل في جميع مواقفها ولكن هؤلاء يمثلون امريكا وليس اسرائيل ويرون في مصلحة بلدهم و(مصير أموالهم)و(شركاتهم) فوق كل المصالح خاصة وان اليهودي لايهتم بالشأن (الوطني)بقدر اهتمامه ب(حقيبة المال)حتى ان بعض المفكرين اليهود قالوا من قبل (اليهود في الشتات اقوى من ان يكون لهم وطن )و(انهم يحكمون البلدان من الخلف افضل من ان يتصدوا بانفسهم للحكم )!
تكفلت الولايات المتحدةبمهاجمة انصار الله الحوثيين باليمن وقصفت المئات من الاهداف حتى لايبقى الحوثيون (امراء البحر )ويبقى (النفوذ الايراني قائما بالمنطقة ) لكن حسابات امريكا تغيرت حين وصلت الخسائر الى (المليار دولار )وحين احست شركات السلاح الاميركية ان مبيعات طائراتها الحربية ستهوي بسبب سقوط اثنين من الطائرات الحربية الاميركية المتطورة بالبحر من طراز F/A-18 سوبر هورنت بفعل ضربات حوثية ..
التقارير تقول ان الرئيس ترامب طرد مستشار الأمن القومي مايك والتز ليس بسبب فضيحة تسريب محادثات الضربات الأمريكية العسكرية ضد الحوثيين عبر تطبيق سيغنال ولكن ادراك ترامب ان مايك يضغط لتوريط امريكا بحرب ضد ايران ،دون النظر للمصالح الاميركية انما ياتي ذلك بدفع من (اسرائيل )،
لذا ليس غريبا ان تتفهم اسرائيل ان أمريكا لاتريد الدخول بحرب مع ايران واذا ماارادت ذلك فلتذهب لوحدها لتلاقي مصيرا (معلوما)على يد الايرانيين الذين يرون فيها (غدة سرطانية )بالمنطقة .!
كما ليس غريبا ان يتلقى (نتنياهو )سلسلة احباطات من قبل ادارة ترامب سواء في (الحرب الاوكرانية الروسية )وانحياز امريكا لصالح روسيا واهمال (صغير اسرائيل )اليهودي الابوين (زلنسكي )الذين تعبت الصهيونية كثيرا حتى اوصلته لهذا المنصب الرفيع (رئيس اوكرانيا )وسواء في التفاوض مع ايران او التفاوض مع الحوثيين
وكذلك مع (حماس)واخر جملة قالها الاعلام الصهيوني بنفسه عن نوع العلاقة بين امريكا واسرائيل ( يمكننا القول بأن العلاقة بين الرئيس الأمريكي ونتنياهو وصلت إلى ادنى مستوياتها)!
بل وتجرّأ السفير الاميركي باسرائيل ان يقول : لا نحتاح لإذن من تل أبيب لإبرام اتفاق مع الحوثيين)فيما اعلن الحوثيون (الاتفاق مع امريكا لن يمنعنا من مواصلة هجماتنا على اسرائيل ).!
في ذات الوقت اعلن المسؤولون الاميركان ان زيارة ترامب لمنطقة الشرق الاوسط سترافقها عملية وقف اطلاق النار بين حماس واسرائيل وامريكا (الان )ابلغت اسرائيل للتوصل الى اتفاق مع (حماس) واكدت (اذا لم تتقدم نحو اتفاق فستجد نفسها وحيدة )
كما ان هناك خطة اغاثية لغزة من قبلهم دون (تدخل الجنود الاسرائيليين)!
الدول العربية الملاصقة للارض المحتلة مثل مصر بدأوا يدركون ان (نتنياهو) يفكر بمصيره وليس بمصير المنطقة وقد اغلق جميع ابواب الحلول وتحول الى (ازمة)كما بدأوا ينزعجون من تصريحات المسؤولين الصهاينة بتهديد مصر كونها تطور اسلحتها او لا تساعدهم بتهجير الفلسطينيين .
فذهبت مصر بعيدا مع روسيا وراحت تشاركها احتفالاتها بيوم النصر بالاستعراض العسكري والتحرك باتجاه ايران والصين وتحركت دول الخليج باتجاه ايران لضمان مستقبلها ،
وهذا يؤشر ان (الزواج) الذي دام ٧٦ عاما بين الغرب وامريكا ذاهب الى الطلاق وعلى دول المنطقة (المطبعة )و(غير المطبعة )ان تعمل وفق هذه المعادلة الجديدة وتبحث عن مصالح شعبها ،وعن امن المنطقة .
قبل ان نختم هناك تساؤل ؛ قد تكون (الحكومة اليمينية الاسرائيلية بقيادة نتياهو سببا للازمة بين الولايات المتحدة واسرائيل وقد يتم تغييرها نقول (ان الصهيونية عقيدة عنصرية تؤمن بها جميع احزاب اسرائيل وان اسرائيل كيان محتل ومغتصب لارض فلسطين صنعته ظروف تاريخية ولابد ان يزول اسوة بكل الاستعمار بالعالم )
وان امريكا ذاهبة الى مصالحها دون اسرائيل وهذا مايراه الكاتب الإسرائيلي أورييل داسكال -في مقال نشرته صحيفة معاريف العبرية السبت النوافق ١٠-٥-٢٠٢٥
إن التقدير السائد في إسرائيل هو أن ترامب “ألقى بها تحت عجلات الحافلة”، ليس فقط بسبب خلافاته مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بل لأن إسرائيل لم تعد تحتل الأولوية في حساباته الجديدة، وتحولت إلى ورقة تفاوض قابلة للتجاهل إن اقتضت مصلحة البيت الأبيض ذلك