
أياد السماوي
لست معنيا من قريب أو بعيد بالسجال الذي دار بين أحد السادة النواب وأحد مستشاري رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ، حول عزم الحكومة العراقية انشاء مصفى للنفط في لبنان .. اليوم أريد أن انطلق في توضيح هذا الأمر من رؤية اقتصادية بحتة باعتباري متخصصا في الاقتصاد وليس طارئا يبحث عن دعاية انتخابية أو ظهورا إعلاميا أو غيره ..
وقبل أن أبدأ حديثي حول هذا الموضوع ، اتمنى جادا ومخلصا أن تكون الحكومة العراقية جادّة في إنشاء هذا المصفى ، بل اتمنى أن تقوم الحكومة بإنشاء عشرة مصافي كبرى خارج العراق وليس مصفىً واحدا .. وربّ معترض يقول لماذا لا تقول اتمنى أن تكون هذه المصافي داخل العراق ، وجوابي على هذا هو أني اتمنى أن يكون عدد المصافي في العراق كاف لتكرير كلّ النفط الخام المنتج في العراق حتى لو بلغ اثنى عشر مليون برميل من النفط الخام يوميا ، فكل له أهميته الاقتصادية والسياسية وعلاقات العراق الخارجية .. لكن يبدو أنّ السيد النائب قد غابت عنه أهمية مثل هذه المشاريع الاستراتيجية المهمة ، وهو في الحقيقة يجهل أنّ العديد من دول العالم المتقدمة والقوية تمتلك مصافي خارج حدودها ولأسباب متعددة ، منها تأمين أسواق لصادراتها من النفط الخام ، وتعزيز نفوذها الجيوسياسي ، وزيادة أرباحها من خلال من خلال بيع منتجات مكررة بدلا من النفط الخام ..
وهنالك دولا عديدة امتلكت مصافٍ خارج حدودها ، فعلى سبيل المثال وليس الحصر :
١- أرامكو السعودية تمتلك مصافٍ في أمريكا وكوريا الجنوبية واليابان والصين وماليزيا وفيتنام وأندونيسيا .. والهدف هو تأمين حصص سوقية لخامها وزيادة العوائد من المنتجات المكررة ..
٢- إيران لديها ثمان مصافي خارج البلاد تقع في فنزويلا وسوريا وكوبا ونيكاراغوا وأوغندا وأوزبكستان .. والهدف هو لتجاوز العقوبات وضمان أسواق دائمة لخامها ..
٣- الصين تمتلك وتستثمر بمصافِ في أفريقيا ( نيجيريا ، أنغولا ) ، آسيا الوسطى ، جنوب شرق آسيا .. والهدف هو تأمين إمدادات الطاقة وفتح أسواق لمنتجاتها النفطية ..
٤- الهند لديها استثمارات في سريلانكا وموزمبيق والسودان وتملك بعض الحصص في مصافٍ أفريقية وآسيوية ..
٥- روسيا تمتلك مصافٍ في المانيا والهند وصربيا وكوبا وتسعى لتوسيع وجودها في أمريكا اللاتينية وأوربا الشرقية ..
٦- الكويت تمتلك مصفى في فيتنام وحصّة من مصفى في إيطاليا ..
٧- الإمارات تمتلك شراكات في الهند ومصر والأن توسع في الأسواق الآسيوية لتكرير النفط وتوزيع المنتجات ..
واليوم العراق يسعى لبناء مصفى نفط في لبنان سيعود عليه بفوائد اقتصادية واستراتيجية متعددة ، منها تعزيز صادرات النفط الخام ، فالمصفاة تضمن سوقا ثابتا للنفط العراقي مما يقلل من الاعتماد على المشترين الدوليين المتقلبين .. وتسعير النفط في هذا النوع من المشاريع غالبا ما يكون أعلى من بيعه كخام ، لأن العراق سيوفر النفط لمصفاة يمتلكها جزئيا أو كليّا ، كذلك تحقيق قيمة مضافة ، فبدلا من بيع الخام بأسعار منخفضة يمكن للعراق تصديره وتكريره ثمّ بيع المنتجات البترولية مثل البنزين والديزل بأسعار أعلى ، وكذلك تقوية النفوذ السياسي والاقتصادي في لبنان ، فالمشروع قد يمنح العراق نفوذا إضافيا في لبنان ويعزز العلاقة بين البلدين ، كما وأنّ مثل هذه المشاريع ينظر اليها كجزء من استراتيجية أوسع للعراق في العودة لدوره الإقليمي ، ومثل هذه الاستثمارات عادة ما تكون طويلة الأجل .. ويا ليت حكومة السوداني انشأت عشرا من هذه المصافي ..