د. محمد العبادي ||
تعود جذور البرنامج النووي الإيراني إلى خمسينيات القرن الماضي وتحديداً في عام 1957م حيث وقعت إيران اتفاقية للتعاون مع الأمريكيين في إطار برنامج ( الذرة من أجل السلام )، وفي عام 1967م حصلت إيران على مفاعل نووي بحثي وتم تركيبه في جامعة طهران، وفي سبعينيات القرن الماضي شهد البرنامج النووي بعض التقدم وحصل على تأييد الدول الغربية خصوصاً ألمانيا وفرنسا وبريطانيا .
بعد إنتصار الثورة الإسلامية إنقلب ذلك التأييد الغربي للبرنامج النووي الإيراني إلى رفض شديد بسبب النهج الإستقلالي الذي اتبعته الثورة الإسلامية. إيران بدورها واصلت مشوارها في تطوير برنامجها النووي السلمي، لأنّه يتعلق بحقها في الحصول على الطاقة النظيفة ومستقبل الأجيال، وامتلكت عدداً من المنشآت بعضها خاص بالأبحاث وإنتاج النظائر الطبية مثل مفاعل طهران النووي، وبعضها الآخر يتعلق بتخصيب اليورانيوم مثل منشأة نطنز ومنشأة فوردو أو منشآت إنتاج الوقود النووي أو إنتاج البلوتونيوم مثل مفاعل آراك وغيره .
لقد اتخذت الدول الغربية الإستعمارية وذيولها من البرنامج النووي الإيراني شماعة تعلق عليها عقوباتها وأصبح هذا الموضوع مثار جدل ودعاية مغرضة ضد إيران .
وقد صدرت عشرات التقارير الدورية حول امتثال وتعاون إيران للإتفاقيات مثل اتفاق الضمانات الشاملة، وخطة العمل الشاملة المشتركة ( JCPOA ) والتي ترفع إلى مجلس محافظي الوكالة؛ مضافاً إلى التقارير السنوية التي تصدر ضمن التقرير العام للوكالة الدولية للطاقة النووية، لكن يبدو أن الشكوك المتناسلة فيما بين إيران والدول التي تقود الوكالة الدولية من الخلف لم تحسم المناقشات الفنية في الملف النووي الإيراني، وأظن أن الشك وعدم الثقة هو الذي يصنع تلك المناقشات الفنية والتقنية، ومالم يتم تبديد الشكوك فستبقى تلك المناقشات العقيمة قائمة .
الرئيس الأمريكي ترامب يتحدث عن الحوار وهو أول من نسف الحوار والإتفاق في عام 2018م، فهو في تصريحاته يقول بأنّه يفضل التوصل إلى إتفاق جديد مع إيران بدلاً من اللجوء إلى الحلول العسكرية والأمنية؛ ففي مقابلة له مع قناة (فوكس نيوز) قال إنّه يعتقد أن الولايات المتحدة ستتوصل إلى اتفاق مع إيران، ويفضل أن يكون ذلك الإتفاق مما يمكن التحقق منه وفيه ضمانات بعدم تطوير طهران للسلاح النووي.
هذا الكلام المعسول من ترامب الذي وصف الإتفاق النووي المبرم في عام 2015م بالإتفاق الأكثر غباء!!!
لايمكن أن ينطلي على الساسة الإيرانيين.
إيران هي صاحبة مقولة حوار الحضارات، وكما قال السيد الخامنئي: إيران تتحاور مع جميع دول العالم بإستثناء قادة الكيان الصهيوني، لأنهم عبارة عن مجموعة من المجرمين، وأمريكا بسبب تاريخها السيء والمعقد مع إيران، ووزارة الخارجية الإيرانية من أكثر الوزارات التي لديها جداول عمل وحوار مستمر مع دول وشعوب العالم .
إيران لاترفض التفاوض ، بل هي مع الحوار البناء والمثمر والذي يحترم مصالحها الوطنية، وفي الكلمة الأخيرة للسيد القائد الخامنئي قال ان التفاوض مع أمريكا لاجدوى منه وأنه ليس خياراً ذكياً أو حكيماً أو مشرفاً.
لقد أشار السيد الخامنئي إلى نقطة مهمة وحساسة، وهي أن الولايات المتحدة لاتحترم المعاهدات الدولية؛ فالرئيس الأمريكي الذي نقض الإتفاق الذي استمر الحوار فيه لسنين يريد الحوار والإتفاق مجدداً؛ والحزب الديمقراطي وقادته الذين أبرموا الإتفاق السابق مع إيران لم يعودوا إليه بعد عودتهم إلى قيادة الدولة؛ فكيف لإيران أن تطمئن لهذه الدولة المتنصلة من تعهداتها الدولية ؟!
وتتضمن عبارة السيد القائد الخامنئي ـ بأن التفاوض مع أمريكا ليس خياراً ذكياً أو حكيماً او مشرفاًـ؛ تتضمن تلك الكلمة إشارة إلى ان التفاوض ومن ثم الإتفاق مع أمريكا خلال ولاية ترامب سيبقى عرضة للنقض والتغيير في حالة وصول رئيس آخر للسلطة مثلما حدث في انسحاب ترامب منه عام 2018م،
كما أن ترامب نفسه لا يملك كل مفاتيح الإلتزام بالإتفاق؛ بل توجد عقبات تتعلق بتقلبات السياسة الأمريكية أو بالسلطات التشريعية حيث يخضع الإتفاق المفترض لمناقشة وموافقة الكونغرس، وبعده موافقة مجلس الشيوخ ويخضع للتعديل والأخذ والرد وفقاً للمصالح الأمريكية أولاً وأخيراً .
إن تجارب إيران السابقة أثبتت أن الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع واشنطن لن يؤدي إلى حل الأزمات، وحتى لو تم التوصل لإتفاق جديد فلن يصمد طويلاً وسيكون عمر الإتفاق قصيراً ومنخفضاً، لايتعدى ثلاث سنين على أكثر التقادير، لأنّ الإتفاقات الدولية قد تتغير بشكل جذري بتغير الإدارة الأمريكية .
|