احمد ناصر الشريف ||
ليست هناك فرصة أمام العرب للتعامل مع السياسة الأمريكية وأهدافها الخبيثة ومقاومتها أفضل مما هي عليه الآن خاصة بعد أن أعلن الرئيس دونالد ترامب بكل وضوح وصراحة ماذا تريد أمريكا من العرب ووضع كل شيء فوق الطاولة بعكس الرؤساء السابقين الذين كانوا يخفون أهدافهم الشريرة ويغلفونها بغلاف دبلوماسي بحيث لا يعبر الظاهر عن الباطن فجاء ترامب ليكشف كل الحقائق أمام العالم كله،
لم يفرق في وعيده وتهديداته بين أصدقائه وأعدائه سواء كانوا جيران أمريكا الأقربين الذين لا تفصلهم عنها إلا السواتر الترابية،
كما هو حال المكسيك وكندا أو البعيدين في أوروبا وإفريقيا وآسيا، وقد حظيت فلسطين المحتلة بالنصيب الأكبر من تهديدات ترامب حيث لم يكتف بإخضاعها للاحتلال الصهيوني وإنما يريد تهجير الفلسطينيين إلى دول أخرى واستيلاء أمريكا على قطاع غزة ليصبح ملكا لها كما أكد في تصريحه أمام المجرم نتنياهو الذي شاركه المؤتمر الصحفي وكان أول زائر لواشنطن عقب تسلم ترامب لولايته الثانية،
قد يقول البعض إن تهديدات ترامب الذي يحاول تنصيب نفسه وصيا على العالم ليست إلا عبارة عن فقاعات في الهواء يحاول من خلالها أن يتجاوز محنة حالة الضعف التي وصل اليها في وقت تعاني فيه أمريكا من وضع اقتصادي صعب إضافة إلى الخسائر الباهظة التي خلفتها الحرائق في كليفورنيا والتي قدرت بمئات المليارات من الدولارات.
في نفس الوقت اختبار للحكام الذين يدورون في الفلك الأمريكي هل سيتجاوبون مع تهديداته وكان مع الأسف الشديد أول من خضع لهذه التهديدات هم عدد من الحكام العرب في مقدمتهم حاكم السعودية محمد بن سلمان الذي وضع كل إمكانيات بلده الاقتصادية تحت تصرف ترامب خوفا من أن ينقلب عليه ويسلط من يعمل على زعزعة الأمن والاستقرار في السعودية.
بل ويحرمه من فرصة الوصول إلى كرسي الحكم خلفا لوالده العاجز الملك سلمان بن عبد العزيز في حالة وفاته، أما الملك عبدالله الثاني ملك الأردن وعبدالفتاح السيسي رئيس مصر وهما من تعرضا لتهديد ترامب ومحاولة فرض عليهما بالقوة استقبال الفلسطينيين في بلديهما فقد كانا نسبيا أشجع من محمد بن سلمان حيث اعترضا على طرح ترامب رسميا رافضين تهجير الفلسطينيين وإخراجهم من أرضهم إلى أي بلد كان.
مع ذلك لا يزال ترامب مصرا على رأيه ويؤكد في كل تصريحاته أنهما سيقبلان باستقبال الفلسطينيين وإن كانت الحقيقة المغيبة التي قد لا يعرفها الكثيرون حول هذا الاندفاع الترامبي لتصفية القضية الفلسطينية هي في مقابل وعد من اللوبي الصهيوني الذي يتحكم في السياسة الأمريكية بتعديل الدستور الأمريكي بحيث يسمح لترامب الترشح لولاية ثالثة،
لكن الغريب والعجيب أن هناك صمتا مريبا في كل الدول العربية والإسلامية حول الطرح الأمريكي أو بمعنى أصح خطة ترامب ولم نسمع حتى بيانا واحدا لأية دولة عربية أو إسلامية تشجب فيه وتستنكر بشدة ما يريد فعله هذا الطاغية أو توجيه دعوة لعقد قمة عربية اسلامية باستثناء كلمات تقال على استحياء في بيانات هزيلة تصدرها وزارات الخارجية وذلك بعكس دول معادية للعرب والمسلمين تقف أساسا إلى جانب الكيان الصهيوني مثل بريطانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى.
لكنها سارعت بالرد على ترامب مؤكدة أنما يطرحه حول تهجير الفلسطينيين واحتلال غزة لا يمكن القبول به ومطالبة بحل الدولتين لضمان تحقيق السلام في الشرق الأوسط وبغير ذلك سيظل النزاع قائما،
يكاد اليمن هو البلد العربي والإسلامي الوحيد الذي أعلن موقفه المتحدي لأمريكا بل ومستعدا لمواجهتها بمفرده رافضا تهجير الفلسطينيين واحتلال أرضهم ومحذرا دول المنطقة من الوقوف إلى جانب أمريكا في حال تم الاشتباك معها وقد ردت الإدارة الأمريكية على هذا التحدي بتصنيف مكون أنصارالله الذي يتصدر المشهد الوطني في اليمن كجماعة إرهابية أجنبية وهو تصنيف ليس جديدا على إدارة ترامب فقد كانوا كذلك في ولايته الأولى،
كما هو معروف فإن أمريكا منذ العام 2015م هي التي تقود تحالف العدوان على اليمن وتزود دوله بالسلاح ويقوم خبراؤها العسكريون بالتخطيط والإشراف على سير المعارك جوا وبرا وبحرا،
كلما لاح أمل في الأفق لإنهاء العدوان والحصار على اليمن تقوم أمريكا بالضغط على أدواتها في المنطقة وتمنعهم من تحقيق ذلك رغم زعمها الكاذب بأنها تريد تحقيق السلام في اليمن وتوعز أحيانا لبعض المسؤولين الأمريكيين ليصرحوا بأن الحل الأمثل لإنهاء العدوان على اليمن يتمثل في الدبلوماسية والحوار وما ذلك إلا لذر الرماد في العيون بهدف تضليل العالم حول الموقف الأمريكي المعادي للشعب اليمني،
هو تضليل مفضوح بدليل أن أمريكا هي من تضغط على مجلس الأمن حتى لا يغير موقفه ويصدر قرارا بإيقاف العدوان على اليمن وهي سياسة تهدف بدرجة أساسية إلى فرض المزيد من تضييق الخناق والاستمرار في سياسة الحصار والتجويع المفروضة على الشعب اليمني منذ عشرة أعوام غير مستوعبة لكافة متغيرات الواقع الذي أفرزه استمرار فرض الحصار غير المبرر،
الذي وصل الى حد غير مقبول أو معقول لا من الناحية الأخلاقية والإنسانية ولا من الناحية القانونية أو حتى الأعراف الدولية إضافة إلى انتهاك الحظر للحقوق الإنسانية للأطفال والشيوخ والنساء الذين ألحق بهم هذا الحصار الظالم أبلغ الضرر.
ولا أيضا من حيث تصادمه وتعارضه مع مصالح العديد من الدول التي ظلت تربطها مصالح مع اليمن بما فيها الدول المجاورة التي أصبحت خاضعة للإرادة الأمريكية والرغبات البريطانية،
هو ما يذكرنا بذلك الحصار الظالم الذي فرض على العراق في فترة سابقة،
كان هدفه إخضاع العراق بمبرره الظاهري لقرارات الشرعية الدولية بينما الحقيقة أن الهدف من الحصار كان تدمير العراق وإخضاعه لإرادة أمريكا وبريطانيا وهذا ما حدث فعلا فيما بعد عندما تم غزوه واحتلاله والسيطرة على مقدراته،
ما يزال يعاني حتى اليوم من جراء الاحتلال ونفس الشيء حدث في ليبيا وسوريا، نحن على ثقة أن العالم بات يرفض بشدة الظلم والعدوان المفروض على الشعب اليمني لولا الضغوط الأمريكية ولا يرى في استمرار الحصار عليه ما يبرره،
هو منطق يستقيم مع حقائق الواقع التي لم يدركها أولئك الذين لم ينظروا الى معاناة شعب بأكمله أنهكه الحصار ولكن تملكتهم ودون أدنى شعور بالمسؤولية الإنسانية والأخلاقية الرغبة في الانتقام منه وتدميره حتى وإن رفعوا شعار المناداة بتحقيق السلام،
هم يدركون في يقينهم أنهم غير قادرين على تحقيق ذلك طالما والإدارة الأمريكية هي صاحبة الأمر والنهي ولا يستطيع أي طرف من أدواتها الخروج عن طاعتها وإرادتها،
سيزداد موقفهم تخاذلا وسلبية بعد وصول الطاغية ترامب إلى البيت الأبيض لحكم أمريكا لمرة ثانية غير متتالية .
|