بهاء الخزعلي||
المشروع الاقتصادي الهندي-الشرق أوسطي-الأوروبي (IMEC): رؤية طموحة لربط القارات وتغيير خريطة التجارة العالمية
في سبتمبر 2023، أُعلن خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي عن أحد أكثر المشاريع البنية التحتية طموحاً في القرن الحادي والعشرين: الممر الاقتصادي الهندي-الشرق أوسطي-الأوروبي (India-Middle East-Europe Economic Corridor – IMEC). يهدف هذا المشروع إلى خلق شبكة نقل متكاملة تربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، باستخدام مزيج من الطرق البحرية والسكك الحديدية، مما قد يُحدث تحولاً جيوسياسياً واقتصادياً كبيراً في المنطقة والعالم.
*أهداف المشروع:
1. تسريع التجارة بين الهند وأوروبا: تقليل زمن الشحن من 40 يومًا (عبر قناة السويس) إلى 10 أيام فقط.
2. منافسة الممرات التقليدية: تقديم بديل استراتيجي لقناة السويس والمشاريع الصينية مثل “الحزام والطريق”.
3.تعزيز التعاون الإقليمي: دمج اقتصادات الشرق الأوسط مع آسيا وأوروبا عبر مشاريع مستدامة.
4. تعزيز النفوذ الغربي: موازنة النفوذ الصيني والروسي في المنطقة.
*الطرق والمسارات المخطط لها:
ينقسم الممر إلى مسارين رئيسيين: شرقي (بحري-برّي) وشمالي (برّي-بحري)، مع تفاصيل كالتالي:
1. المسار الشرقي: من الهند إلى الإمارات عبر البحر
– النقطة البداية: موانئ غرب الهند (مثل مومباي أو كاندلا).
– الرحلة البحرية: عبور بحر العرب إلى مينائي الفجيرة أو جبل علي في الإمارات.
– التكامل مع البنية التحتية: استخدام شبكة الموانئ الحديثة في الإمارات، التي تُعد مركزاً لوجستياً عالمياً.
2. المسار الشمالي: من الإمارات إلى أوروبا عبر البر والبحر
*الجزء البري:
-من الإمارات إلى السعودية: سكة حديدية تربط الإمارات بالمملكة العربية السعودية عبر مشروع السكك الحديدية الخليجية (GCC Railway).
-عبر السعودية والأردن: امتداد الخط الحديدي شمالاً عبر السعودية إلى الأردن، مع احتمال ربطه بشبكة ممر التنمية السعودي (NEOM).
-من الأردن إلى الكيان الصهيوني: توصيل البضائع إلى ميناء حيفا عبر شبكة سكك حديدية جديدة أو مُحدَّثة، بما في ذلك مشروع السكك الحديدية بين الكيان الصهيوني والأردن.
*الجزء البحري:
– من الكيان الصهيوني إلى اليونان: شحن البضائع بحراً من ميناء (حيفا) إلى ميناء (بيريوس) اليوناني، الذي يعد البوابة الرئيسية لأوروبا.
– التوزيع داخل أوروبا: استخدام شبكة السكك الحديدية الأوروبية لنقل البضائع إلى دول مثل ألمانيا وفرنسا.
*البنية التحتية المطلوبة:
– السكك الحديدية: تطوير خطوط جديدة بطول 1,500–2,000 كيلومتر، خاصة في المناطق الصحراوية بين السعودية والأردن. وتحديث شبكات قديمة في دول مثل الأردن.
– الموانئ: توسيع ميناء حيفا لاستيعاب الحمولات الكبيرة. وتعزيز مرافق الموانئ الإماراتية والسعودية.
– البنية الرقمية: أنظمة تتبع ذكية للبضائع. ومشاريع كابلات إنترنت تحت البحر لربط الشبكات الرقمية.
*التحديات الرئيسية:
1.التمويل: تُقدَّر تكلفة المشروع بأكثر من 20 مليار دولار، مع حاجة إلى استثمارات خاصة وعامة.
2.الاستقرار الجيوسياسي: حساسية العلاقات بين دول مثل إسرائيل والسعودية، وتأثير النزاعات المحتملة (مثل التوترات مع إيران).
3. التنافس مع قناة السويس: مقاومة محتملة من مصر، التي تعتمد على إيرادات القناة.
4. التقنية: صعوبة بناء سكك حديدية في المناطق الصحراوية غير المطورة.
*الآثار الجيوسياسية والاقتصادية:
– تعزيز التحالف الغربي-الهندي: يُعتبر المشروع جزءاً من استراتيجية أمريكية لاحتواء النفوذ الصيني في الشرق الأوسط.
– التطبيع الاقتصادي للكيان الصهيوني : يسهم في دمج الكيان الصهيوني مع جيرانها العرب (مثل السعودية) بعد اتفاقيات أبراهام.
– تحويل السعودية إلى مركز لوجستي: يدعم رؤية 2030 السعودية لتنويع الاقتصاد.
– ضربة للصين: تصاعد المنافسة مع مبادرة “الحزام والطريق”، خاصة في دول مثل اليونان.
*مقارنة مع “قناة بن غوريون”:
– قناة بن غوريون (مشروع غير مُنفذ): كانت تهدف إلى شق قناة ملاحية عبر الكيان الصهيوني لربط البحر الأحمر بالمتوسط، لكن IMEC يعتمد على البنية البرية والبحرية القائمة، مما يجعله أكثر واقعية.
– مع ذلك، يشترك المشروعان في الفكرة الاستراتيجية: تجاوز قناة السويس وتعزيز النفوذ الصهيوني-الهندي-الأمريكي لذلك قد يتم الأستغناء عن الأردن في حال نفذ مشروع قناة بن غوريون ويتم نقل البضائع من السعودية لجزيرتي تيران وصنافير التي تنازلت عنهما مصر للسعودية وتنقل البضائع لميناء إيلات.
*المستقبل والتوقعات:
إذا نجح المشروع، فسيُعيد رسم خريطة التجارة العالمية ويجعل الشرق الأوسط مركزاً للربط بين القارات. لكن نجاحه يعتمد على:
– تعاون غير مسبوق بين دول في منطقة مليئة بالتوترات.
– تمويل مستدام من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
– تجاوز المنافسة مع المشاريع الصينية والتركية (مثل “ممر التنمية التركي”).
*الخلاصة:
يمثل مشروع IMEC ليس مجرد طريق تجاري، بل هو أداة جيوسياسية لتحقيق تحالفات جديدة وموازين قوى مختلفة. بينما لا يزال المشروع في مراحله الأولى، فإن إمكانية تحقيقه قد تُغير وجه المنطقة والعالم، وتجعل من القرن الحادي والعشرين قرن “طرق الحرير الجديدة”. وبذلك نفهم لماذا خدع الأميركان تركيا لخوض مغامرة سوريا وإسقاط نظام بشار الأسد، وكذلك لماذا تم تدمير غزة بالكامل وجعلها منطقة غير قابلة للعيش، ولماذا جاء قرار تنفيذ أغتيال سماحة السيد حسن نصر الله قدس سره الشريف، كل هذا الأعمال الإرهابية الصهيوأميركية لإنهاء أي صورة من صور المقاومة في المنطقة ليسهل تنفيذ ذلك المشروع.
|