د. محسن العكيلي ||
تمر علينا ذكرى وفاة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام)، عقيلة بني هاشم، وشريكة الحسين (عليه السلام) في النهضة الكبرى، بقلوب ملؤها الحزن والأسى. زينب، تلك السيدة التي تحملت في حياتها ما لا تحتمله الجبال، كانت شاهدة على أعظم المآسي التي مرت على آل بيت النبوة، من مقتل أخيها الحسين وأهل بيتها في كربلاء، إلى رحلة الأسر الموجعة إلى الشام.
السيدة زينب ليست مجرد رمز تاريخي، بل هي مدرسة خالدة في الصبر، الثبات، والشجاعة. في الشام، وقفت تلك السيدة الجليلة، رغم غربتها ووحدتها، في وجه يزيد الطاغية، مُذلّة كبرياء بني أمية ببلاغتها وصبرها. وقالت كلماتها الخالدة التي زعزعت أركان الحكم الأموي: “فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا.”
واليوم، وفي الذكرى الأليمة لوفاتها، تبدو سوريا وكأنها تعيد صفحات التاريخ المؤلمة. فالشام التي عانت من وطأة بني أمية، تعاني اليوم من هيمنة عصابات الجولاني وأعداء آل البيت، الذين نشروا الكراهية والطائفية، وأعادوا زرع بذور الظلم والجور في أرض عرفت بعراقتها واحتضانها لخط أهل البيت (عليهم السلام).
غربة زينب (عليها السلام) في حياتها لم تنتهِ بوفاتها، بل تمتد عبر الزمن، تتجسد اليوم في غربة القيم والمبادئ التي حملتها في حياتها. إنها الغربة ذاتها التي تعيشها مآذن دمشق ومراقد الأولياء، تحت تهديد الجهل والتطرف.
زينب (عليها السلام)، أميرة الشام، رحلت عن الدنيا لتبقى شاهدة على ظلم الظالمين، ومُذكرة للأجيال بأن الحق لا يموت، وأن صوت الحسين وزينب سيبقى يهز عروش الطغاة. إنها رمزٌ خالدٌ لكل مظلوم، وصوتٌ يصرخ في وجه كل طاغية، مهما اختلفت الأزمنة وتغيرت الأسماء.
في هذه الذكرى، نجدد العهد مع زينب (عليها السلام) أن نبقى على خطها، وأن نكون أوفياء لرسالتها. فرغم محاولات الطغاة لإطفاء نور أهل البيت، سيبقى نورهم مشعًا، يهدي السائرين في طريق الحق، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
السلام على زينب الكبرى يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تُبعث شاهدةً على الظالمين.
|