أعلن الجيش الإسرائيلي السبت تمكنه من اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في غارة جوية الجمعة، شنتها مقاتلات من طراز "إف-35" على موقع بمنطقة حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية، المعقل الرئيسي لحزب الله، ولاحقا أقر حزب الله باغتيال أمينه العام.
لم يكن اغتيال نصر الله، سوى حلقة من سلسلة اغتيالات متتالية شنتها تل أبيب تجاه قادة الصف الأول والثاني من الحزب. إذ لم يكد حزب الله يلتقط أنفاسه من انفجار أجهزة البيجر، إلا وتلتها اغتيالات تلو الأخرى، وصلت لرأس هرم الحزب.
يأتي هذا الاغتيال عقب مرور ما يقرب من شهرين لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية. وقالت الحركة، في بيان رسمي صدر حينها، إن الاغتيال جاء على إثر "غارة صهيونية غادرة" على مقر إقامته في طهران، بعد مشاركته في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.
لم يكن اغتيال هنية، واغتيال نصر الله وقادة الحزب، أمرا طارئا ومستحدثا في السياسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، بل له إرث طويل وجذور ضاربة في العقلية الإسرائيلية. حيث استهدف جيش الاحتلال سابقا قادة حماس، كاغتيال الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وأحمد الجعبري وصالح العاروري ومحمد الزواري وغيرهم، ومحاولتهم المتكررة لاستهداف واغتيال محمد الضيف. كما طالت هذه الاغتيالات من تعتبرهم إسرائيل خطرا على أمنها، في مناطق جغرافية وأزمنة مختلفة، منذ نشأتها وحتى اليوم.
لكن تحليلا أكثرعمقا للأفكار والمبادئ التي يتحرك جيش الاحتلال وفقا لها بدعم من المجتمع الإسرائيلي، سيشير إلى أن هذه الممارسات تأتي بوصفها جزءا من إستراتيجية أوسع، تنظر للقادة، كما تنظر لمن هم أدنى منهم في "سلم الترتيب الاجتماعي" بوصفهم عبئا مستمرا على الاحتلال، وأنهم تذكير ممتد لـ"الخطيئة" التي خلّفوها بعد حرب النكبة واحتلال فلسطين عام 1948، أي بإبقاء بعض الفلسطينيين على ما تبقى من الأرض، وما جعل القضية الفلسطينية حاضرة في وجدان الشعوب العربية والمسلمة حتى يومنا.
فالمقاطع المرئية التي انتشرت خلال الحرب الدائرة اليوم، من استهداف لمدنيين بشكل مباشر، والتي استخدمت في إدانة إسرائيل في محكمة العدل الدولية، تتشابه من حيث طريقتها وأسلوبها وتعمدها في اغتيال القادة.
وعلى الرغم من أن تأثيرات اغتيال القادة أكبر، فإن الممارسات الإسرائيلية الممتدة على مختلف شرائح المجتمع الفلسطيني، والتي نراها اليوم تمتد للأرض اللبنانية، تطرح سؤالا جديا حول الفوارق التي يشرعن عبرها جيش الاحتلال استهدافه لشخصية سياسية وعسكرية، في ظل استدعاء قادة جيش الاحتلال نصوصا ترد فيها مفاهيم الإبادة الجماعية التي لا تفرق بين قائد وفرد كما سيأتي لاحقا في التقرير.
فاغتيال هنية، وكما أنه يأتي في ظرف سياسي وعسكري معقد، يشن فيه جيش الاحتلال حرب إبادة على قطاع غزة لما يقرب من عام، فإنه يؤدي وظيفة دعائية للداخل الإسرائيلي القائم على إبادة المعادين لهم، وعلى قدرتهم أيضا لإثبات "يدهم الطولى" القادرة على الوصول لأي مكان كما ذكر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إضافة لبنيامين نتنياهو أكثر من مرة في ظل ما أسماه خبراء بانهيار جدار الردع الإسرائيلي إقليميا.
وبالعودة لشهرَيْ مايو/أيار ويونيو/حزيران 2009، نشرت مجلة "مومِنت" (Moment) اليهودية الأميركية حوارا مع الحاخام الصهيوني "مانيس فريدمان" حول الطريقة المثلى لتعامل اليهود بفلسطين المحتلة مع جيرانهم من العرب، وقد أتت إجابة "فريدمان" صريحة: "إنني لا أومن بالأخلاقيات الغربية، بمعنى أن عليك ألا تقتل المدنيين أو الأطفال، وألا تُدمِّر الأماكن المقدسة، وألا تقاتل في المناسبات الدينية، وألا تقصف المقابر، وألا تُطلق النار قبل أن يطلقها عليك الآخرون.. إن الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هي الطريقة اليهودية: دمِّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم". وقد علَّل "فريدمان" ذلك بأنه الرادع الوحيد والحقيقي للتخلُّص من ثبات الفلسطينيين ومقاومتهم المستمرة، وأن تلك هي قيم التوارة التي ستجعل الإسرائيليين "النور الذي يشع للأمم التي تعاني الهزيمة بسبب هذه الأخلاقيات (الغربية) المُدمِّرة التي اخترعها الإنسان".
بهذا الوصف، قدَّم "فريدمان" عقيدته في التعامل الأمثل مع الفلسطينيين الذين ينغِّصون هناء "الفردوس الإسرائيلي" على حد قوله، وهو في هذا لا يتَّبِع وجهة نظر شخصية ولا يتحدَّث من وحي أفكاره، وإنما يعتبر الأمر واجبا دينيا وتعليما توراتيا مقدسا لا ينبغي العدول عنه، كاشفا لنا بكل وضوح عن الموقف اليهودي من فلسطين وشعبها، والأساس النظري لكل أعمال الإبادة والإرهاب التي مارستها الصهيونية أثناء وجودها بفلسطين المحتلة
|