• الموقع : وكالة عين شاهد .
        • القسم الرئيسي : مقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نتنياهو والسلام المفقود: المقاومة كخيار مشروع .

نتنياهو والسلام المفقود: المقاومة كخيار مشروع

 

 

 

 

  إبراهيم نوار

ما تزال هناك فرصة لإنهاء حرب غزة، وما تزال هناك فرصة للمحافظة على أرواح آلاف الضحايا الفلسطينيين، الذين راح منهم حتى الآن ما يقرب من 41 ألف شهيد معظمهم من الأطفال والنساء، وما تزال هناك فرصة للمحافظة على أرواح المحتجزين الذين تحتفظ بهم حماس، وما تزال هناك فرصة للتعايش وإحلال السلام الدائم على أسس يتقدمها حصول الشعب الفلسطيني على حق تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة ذات سيادة كاملة على ترابه الوطني المحتل منذ 5 يونيو/ حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإقامة علاقات على أساس عدم الاعتداء والاحترام المتبادل بين شعوب المنطقة.

نتنياهو لا تعنيه مسألة عودة المحتجزين أحياء إلى أسرهم بقدر ما يعنيه الانتقام من المقاومة الفلسطينية، لأن المقاومة أسقطت استراتيجية الردع التي تقوم عليها هيبة إسرائيل

ما تزال هذه الفرصة قائمة إذا رحل بنيامين نتنياهو عن رأس السياسة الإسرائيلية. نتنياهو هو العقبة الرئيسية في طريق السلام في الشرق الأوسط حاليا. هو من يرفض رفضا قاطعا إقامة دولة فلسطينية، ويعمل نهارا ومساء من أجل تغيير الحقائق على الأرض، بما يحول دون إقامتها. نتنياهو هو من يتحايل ويتآمر لنسف صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين، وهو يعلن دون مواربة أن استعادة المحتجزين لن تكون إلا بالانتصار العسكري على حماس. وهو لن ينتصر. نتنياهو هو من يتلاعب حتى بوفد المفاوضين الإسرائيليين، ويستخدم المفاوضات للمراوغة وتضييع الوقت حتى موعد الانتخابات الأمريكية، أملا في أن يفوز دونالد ترامب، ويبدآن معا مسرحية معززة تمهد لموجة جديدة من العداء والكراهية في الشرق الأوسط. ولذلك فإن نتنياهو يجب أن يرحل، لأنه لا سلام في الشرق الأوسط مع استمراره في الحكم.
الآن، وقد أشعل نتنياهو حربا واسعة النطاق في الضفة الغربية، تدرك الضفة بما فيها القدس الشرقية، أنها مع قطاع غزة جزء لا يتجزأ من وطن واحد. وتدرك المقاومة بكل فصائلها، أن طريقها واحد، هو الكفاح المسلح، وأن مصيرها واحد، هو النصر وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة. الآن يدرك العالم أنه أمام اختبار مصيري، فإما أن تكون الشرعية الدولية، وإما أن يسود قانون الغاب. ومن المثير للسخرية أن الدولة الإرهابية المتوحشة المحتلة، تتهم المقاومة الوطنية بممارسة الإرهاب! من المثير للسخرية أن يوصف الإرهاب الإسرائيلي داخل الأرض الفلسطينية المحتلة بأنه دفاع عن النفس، وأن يوصف المدافعون عن أنفسهم، أصحاب الأرض، بأنهم إرهابيون! وقد وصلت المقاومة إلى النقطة التي يتعين عليها فيها أن تتحد، وأن تشكل غرفة عمليات مشتركة، وأن تواصل الصمود، حتى تتمكن من إسقاط مشروع نتنياهو لإبادة الهوية الوطنية الفلسطينية، هذا المشروع يتكون من ثلاث قنوات متوازية: قتل السكان الفلسطينيين، ومصادرة الأرض الفلسطينية، وتزييف الحقائق أمام العالم، بتصوير المجرم على أنه الضحية. ويجب عدم إفساح الطريق أمام نتنياهو لتحقيق مشروعه، مهما كان حجم التواطؤ، ومهما كان تزييف الحقائق، ومهما كانت وحشية القوة الغاشمة.

عودة لأساليب العصابات الصهيونية

مساء السبت 31 أغسطس/آب هاجم عشرات المستوطنين بلدة «قصرة» جنوب مدينة نابلس، في حماية قوات الجيش الإسرائيلي، وأطلق المستوطنون المسلحون الرصاص باتجاه المنازل بمن فيها، في تكرار قذر لما كانت تقوم به العصابات الصهيونية المسلحة قبل اغتصاب فلسطين. وبينما لم يجد السكان غير الحجارة للتصدي للمستوطنين الإرهابيين، أطلق الجيش الإسرائيلي الرصاص الحي وقنابل الغاز عليهم. وقال رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي خلال زيارة لجنين في اليوم نفسه، إن القوات الإسرائيلية «لن تسمح للإرهاب في الضفة الغربية بأن يرفع رأسه» لتهديد إسرائيل. وأوضح أن «المخطط (الإسرائيلي) هو الانتقال من مدينة إلى مدينة ومن مخيم إلى مخيم، بمعلومات استخباراتية ممتازة وبقدرات عملياتية جيدة جدا وبغطاء استخباراتي جوي متين للغاية. وكما حدث من قبل فإن استمرار الهجمات الإرهابية للمستوطنين، وعمليات القوات الإسرائيلية ضد سكان المخيمات، تؤدي إلى نزوح العائلات الفلسطينية، خصوصا تلك التي يتم حرق وتدمير مساكنهم وممتلكاتهم. ما يحدث في الضفة الآن هو استمرار للحملة العسكرية الإسرائيلية في العام الماضي، التي ترافقت مع مخطط إسرائيلي شرس لتوسيع الاستيطان، ومع موجة وحشية من اعتداءات المستوطنين المسلحين على القرى والبلدات الفلسطينية، تحت سمع وبصر الشرطة وقوات الجيش، مثلما حدث في بلدة «ترمسعيا»، وقرية «اللبان الشرقية»، بالقرب من رام الله، وفي بلدة «حوارة»، التي كانت قد تعرضت لاعتداءات مماثلة في أوائل العام الماضي. في هذه الأماكن أضرم المستوطنون المسلحون النيران في عشرات المنازل والسيارات وبساتين الفاكهة، كما هاجموا منشآت اقتصادية منها مصانع وورش حرفية ومتاجر مملوكة للفلسطينيين، وقد وصل الأمر إلى إطلاق الرصاص على من يحاول الهرب من الحرائق، في مشاهد لم تتكرر منذ المذابح التي كانت تنفذها عصابات صهيونية مسلحة مثل «الهاغاناه» و»شتيرن» والأرغون». وتعزيزا لهمجية المستوطنين ووحشيتهم، قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير أمام الكنيست وقتها: «نريد عملية عسكرية، نريد تسوية المباني بالأرض، نريد استهدافهم بالقتل». إن الهدف الأكبر لإسرائيل من الحرب المعلنة في الضفة الغربية منذ ديسمبر/ كانون الأول عام 2022 هو السيطرة الكاملة على المنطقة (ج) وتفريغها من معظم سكانها الفلسطينيين.

قيادة إسرائيلية متعطشة للدماء

يمثل نتنياهو وبن غفير وسموتريتش جيلا جديدا من أحفاد الزعيم الصهيوني المتطرف زئيف جابوتنسكي (1880- 1940)، بعد جيل مناحم بيغن وإسحاق شامير. وقد اعتبر جابوتنسكي في كتابه «صهيون والشيوعية»( 1932) أن الصهيونية تجسد «الاعتراف بالحق في الدولة ذات السيادة، وهو ما لا يمكن أن يسمح بقبول موقف يتم فيه إخراج المشكلة اليهودية من كونها المسألة الأولى الأهم. وأن أي قضية أخرى لا تهم، ولا يمكن أن تجيء قبلها. حتى خلاص العالم كله لا يهم، طالما أن الشعب اليهودي ليس لديه بلده الخاص». ولا يعتبر جابوتنسكي أن الحق في الدولة اليهودية جاء ردا على نزعة معاداة السامية. ويقول إن «معاداة السامية لا يمكن أن تلد الصهيونية. معاداة السامية لا يمكن إلا أن تولد الرغبة في الفرار من الاضطهاد»، لكن الصهيونية من وجهة نظره، هي حافز داخلي من أجل الحفاظ على الذات الوطنية بإقامة دولة يهودية طبقا لرؤية توراتية على كل أرض تطأها أقدام اليهود. في شهادته عام 1937 أمام لجنة بيل (التي أوصت في تقريرها النهائي بتقسيم فلسطين وإقامة دولتين عربية ويهودية)، كرر جابوتنسكي ما قاله في كتابه «الجدار الحديدي» (1923) قائلا: «ليست هناك حاجة لطرد العرب، على العكس من ذلك، نعتزم أن تستوعب فلسطين على جانبي نهر الأردن كلا من العرب وذريتهم وملايين اليهود»، كان جابوتنسكي في واقع الأمر يروج لإقامة دولة يهودية على جانبي نهر الأردن، ولم يكن يرضيه تقسيم فلسطين. وكان يضمر ضرورة العمل المسلح من أجل ابتلاعها كلها، وقتل الفلسطينيين، أو إجبارهم على الرحيل، معتبرا أن هذه الارض كانت لليهود أولا. واعتبر أن تحويل الفلسطينيين إلى أقلية داخل وطنهم وعلى أرضهم «شيء طبيعي تماما، ولا توجد فيه معاناة». كان جابوتنسكي في كل كتاباته وأعماله يؤكد على أولوية القوة على الأخلاق، وعلى ضرورة التحالفات من أجل ضمان التفوق، وعلى ضرورة احتقار الخصوم والأعداء، بل التنكيل بهم، انطلاقا من أولوية المصلحة الصهيونية على غيرها.. لذلك فإن نتنياهو لا تعنيه مسألة عودة المحتجزين أحياء إلى أسرهم بقدر ما يعنيه الانتقام من المقاومة الفلسطينية، لأن المقاومة أسقطت استراتيجية الردع التي تقوم عليها هيبة إسرائيل، حتى لو كان الثمن هو التضحية بكل المحتجزين. ويعتقد نتنياهو أن موت كل المحتجزين يصلح لأن يكون وقودا لمزيد من الحرائق والحروب في المنطقة، تبقيها مشتعلة حتى تكون لإسرائيل السيادة عليها وهي رماد. نتنياهو فوق ذلك يسعى أيضا للبقاء على قمة الحكم مع مجموعة من المتوحشين البرابرة، حتى تحقيق المشروع الديني الصهيوني بأكمله. وهو ينتظر اللحظة التي يتمكن فيها من إعادة تثبيت أركان حكومته، والتخلص من خصومه داخل الحكومة والمؤسسات الأمنية كلهم مرة واحدة. وإذا نجح في الإفلات من الموجة الحالية المضادة له، بالمناورة السياسية الداخلية، ثم شن هجوم دبلوماسي جديد من داخل الولايات المتحدة والأمم المتحدة في أواخر الشهر الحالي، فربما تكون نتيجة الانتخابات العامة الأمريكية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل هي كلمة السر في ترتيب انقلاب سياسي داخلي، يتوافق مع نتيجة الانتخابات، وحتى يحدث ذلك فإن خطة نتنياهو للفلسطينيين هي الإبادة، ويجب أن يكون الرد عليها هو حرب تحرير وطنية على كل التراب الفلسطيني، بلا تردد ولا مساومة.
كاتب مصري


  • المصدر : http://www.ayn-shahid.com/subject.php?id=6675
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 09 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 8