فرحان جمال
في عالمٍ تتزاحم فيه الشعارات وتُرفع فيه رايات العدالة، يبقى الواقع مريرًا حين نرى الحقوق تُهمَّش وتُؤجَّل وتُختزل في الوعود. فالحق – كما علّمتنا التجارب والتاريخ – لا يُمنَح تفضّلًا من أحد، بل يُنتزع بوعيٍ وصمودٍ وإصرار.
الحقوق لا تهبط من السماء على أيدي المتنعّمين في المكاتب، ولا تُصاغ على ورق بيانات باردة، بل تُكتب على صفحات المواقف، وتُنتزع من براثن التجاهل والتسلّط بأصوات الشرفاء الذين آمنوا أن الكرامة لا تُقاس بالكلمات، بل بالمواقف.
من يطالب بحقه لا يخرج طلبًا للفتات، بل بحثًا عن العدالة التي غابت خلف ستار المصالح والسلطة. والذين يسيرون في درب المطالبة لا يفعلون ذلك بدافع الغضب فحسب، بل لأنهم يدركون أن السكوت عن الحق أول أبواب الظلم.
كم من شعوبٍ نالت كرامتها لأنها قالت “لا” في وجه الطغيان، وكم من أجيالٍ عاشت منحنية لأنها انتظرت أن تُعطى حقوقها ولم تسعَ لنيلها.
إن الذين يحقّقون العدالة هم الشرفاء الأنقياء، أولئك الذين لا يساومون على المبدأ، ولا يبيعون الكلمة مقابل موقع أو جاه. هم حراس الضمير الجمعي، صوت المقهورين والمهمّشين، وأمل الأوطان التي تبحث عن توازن بين السلطة والحق.
لا يخافون الاتهام ولا يختبئون خلف المبررات، لأنهم يعرفون أن طريق المطالبة بالحق مليء بالأشواك، لكنه الطريق الوحيد نحو الكرامة والحرية.
في مجتمعاتنا، باتت المطالبة بالحقوق أشبه بمعركة طويلة بين الواجب والخذلان، بين الصمت والتعبير. ومع ذلك، لا يزال هناك من يرفع راية “الحق يُؤخذ ولا يُعطى”، لا بالعنف ولا بالتعنت، بل بالإصرار الواعي والمطالبة القانونية والموقف الأخلاقي.
فالمطالبة بالحق ليست فوضى، بل هي ذروة الوعي الإنساني، لأن من يرضى بالظلم شريكٌ في استمراره.
ختامًا، إن الأمم لا تُبنى على الصمت، بل على الوعي والشجاعة. والحق لا يُقدَّم على طبقٍ من ذهب، بل يُنتزع بإيمانٍ ثابت وعدالةٍ لا تلين.
فالكرامة ليست هدية… والحرية ليست منحة… والحقوق لا تُمنح، بل تُؤخذ بأيدي الشرفاء الأنقياء الذين لا يبيعون ضمائرهم، ولا ينحنون إلا للحق
|