• الموقع : وكالة عين شاهد .
        • القسم الرئيسي : مقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : السيد السيستاني وصوت الضمير في زمن الصمت: موقفه من مأساة غزة نموذجًا .

السيد السيستاني وصوت الضمير في زمن الصمت: موقفه من مأساة غزة نموذجًا

 

 

 

 

 

قاسم الغراوي 

رئيس مركز انكيدو للدراسات 

في عالم طغى فيه صوت السلاح على صوت العقل، وأصبح القتل مشهدًا يوميًا تكرره الشاشات بلا خجل، بات الصمت موقفًا معلنًا تتبناه قوى العالم “المتحضّر”، إما تواطؤًا أو عجزًا. وفي خضم هذا الركام الإنساني، جاءت كلمات المرجع الديني الأعلى، السيد علي الحسيني السيستاني، لتعيد شيئًا من التوازن الأخلاقي والروحي إلى مشهد فقد إنسانيته.

 

بيانات السيد السيستاني الأخيرة حول العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة لم تكن مجرد ردّ فعل عاطفي، ولا بيانًا بروتوكوليًا يؤدي “واجب التضامن”، بل كانت نداءً ضميريًا أخلاقيًا يعبّر عن عمق الشعور الإنساني، وتجسيدًا للموقف الشرعي الواعي تجاه واحدة من أبشع الجرائم التي تُرتكب بحق الإنسانية في العصر الحديث.

 

في الوقت الذي انقسمت فيه مواقف الدول والنخب السياسية والدينية بين مؤيد ومتحفظ وصامت، جاء موقف السيد السيستاني نقيًا من كل حسابات المصالح والاصطفافات، متجاوزًا الطوائف والمذاهب والحدود الجغرافية، ليرتقي إلى مستوى الدفاع عن الحق الإنساني والعدالة الإلهية. لم يُنظر إلى غزة بوصفها “قضية فلسطينية”، بل باعتبارها مأساة إنسانية يختبر فيها العالم ضميره وشرائعه وقيمه.

 

كان نداء للمسؤولية الإسلامية والإنسانية

في نبرته، فالسيد السيستاني يستنهض العالم الإسلامي، والعالم أجمع، ليتحمل مسؤوليته تجاه ما يحدث. لم يتحدث من منطلق العاطفة وحدها، بل دعا إلى موقف عملي ومسؤول، يهدف إلى وقف العدوان، ورفع الحصار، ورفض سياسة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها المدنيون الأبرياء في غزة، وخاصة الأطفال والنساء والشيوخ.

 

هذا النداء الصادق أعاد إلى الأذهان مواقف العلماء الربانيين في التاريخ الذين وقفوا مع الشعوب المظلومة في وجه الطغاة، ورفعوا صوتهم حين صمت الجميع، مستمدين ذلك من جوهر الرسالة الإسلامية التي ترى أن “الساكت عن الحق شيطان أخرس”.

 

لقد شكّلت كلمة السيد السيستاني صفعة أخلاقية للضمير الغربي الذي يدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، في حين يبرر العدوان ويبرع في تبرير المجازر تحت عنوان “حق الدفاع عن النفس”. ففي وقت تواطأ فيه الإعلام العالمي مع المجرم، واصطفّت فيه الحكومات خلف آلة القتل، جاءت الكلمة لتكسر هذا الحصار الأخلاقي، وتذكّر العالم أن الدم الفلسطيني ليس رخيصًا، وأن المواقف يجب أن تبقى مرفوعة لا منحنية.

 

إن موقف المرجعية في النجف الأشرف من مأساة غزة يعبّر عن مدرسة فكرية قائمة على المبادئ، لا على الحسابات السياسية. إنها مرجعية تعيش قضايا الأمة وتتحرك من موقع الأبوة والرحمة، وليس من موقع الصراع على النفوذ. وهذا ما يجعل صوتها مسموعًا ومهابًا، حتى من خصومها، لأنها تعبّر عن جوهر الرسالة المحمدية: مقاومة الظلم، والانتصار للمظلوم، وإحياء الضمير في زمن التيه.

 

في النهاية، يمكن القول إن كلمة السيد السيستاني لم تكن مجرد موقف ديني أو إنساني، بل كانت وقفة في الزمن، وصرخة في وجه الانحدار الأخلاقي العالمي. إنها تذكرة للغافلين بأن الشعوب لا تموت، وأن الذاكرة لا تنسى، وأن صوت الحق، وإن بدا خافتًا وسط ضجيج المدافع، سيبقى شاهدًا على من وقف، ومن صمت، ومن تواطا

 


  • المصدر : http://www.ayn-shahid.com/subject.php?id=11613
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 07 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 07 / 30