قاسم الغراوي
كاتب وصحفي
وجّه عراقجي رسالة : إيران مستعدة للدبلوماسية، "ولكنها لن تقبل الخضوع". ويُعيد صياغة المعادلة: إذا أظهرت واشنطن احترامًا، فإن إيران سترد بالمثل، وإن اختارت الضغط والتهديد، فإن الرد سيكون موحدًا وقويًا.
هذه الثنائية تذكّرنا بنهج "الردع المتوازن" الذي تتبعه طهران منذ سنوات، وتضع الكرة في ملعب واشنطن من جديد.
يشير مفهوم الردع المتوازن إلى استراتيجية في السياسة الأمنية والدفاعية تقوم على إنشاء توازن عسكري قوي ومتكافئ بين الأطراف المختلفة، بحيث يُصبح تنفيذ أي عمل عدواني خيارًا غير مجدي نظرًا للتبعات الردعية التي تُفرض على الفاعل. وفيما يلي نستعرض الجوانب الرئيسية لهذا المفهوم:
1. الأسس النظرية للردع المتوازن
⁃ المبدأ الأساسي للردع:
يعتمد الردع المتوازن على فكرة أن كل جهة تمتلك قدرات كافية لرد الهجوم بشكل يضمن تحقيق ضرر يفوق أي مكسب قد يحقق نتيجة للمبادرة العدوانية. بمعنى آخر، يصبح الخيار العدواني غير منطقي نتيجة الخوف من الرد الذي يدمر مصالح المهاجم.
⁃ الشفافية في القدرات:
يعد الإعلان عن القدرات العسكرية والقدرات التكنولوجية والمسائل المتعلقة بالتحالفات جزءًا من عملية الردع المتوازن. تسعى الدول إلى إظهار قوتها لضمان أن الخصم سيفكر مرتين قبل التحرك.
⁃ المعرفة المتبادلة:
يقوم هذا المفهوم على الافتراض بأن الأطراف المعنية على دراية بقدرات بعضها البعض، مما يجعل أي تغيير مفاجئ في ميزان القوى أو في استراتيجيات الردع أثره واضحًا ويسهل اكتشاف النوايا العدائية.
2. تطبيقات الردع المتوازن
⁃ الردع النووي:
على مستوى النووي، يُعرف الردع المتوازن بمفهوم “تدمير متبادل مؤكد”، حيث يمتلك كلا الطرفين القدرة على إلحاق أضرار جسيمة ببعضهما البعض في حال وقوع هجوم نووي، مما يساهم في منع بدء أي نزاع باستخدام مثل هذه الأسلحة.
⁃ الدفاع التقليدي والحديث:
لا يقتصر الردع المتوازن على الأسلحة النووية فحسب؛ فهو يمتد إلى جميع أشكال القوة العسكرية سواء كانت تقليدية أو إلكترونية أو سيبرانية. يمكن أن يكون بناء أنظمة الدفاع المتطورة والقدرات الهجومية جزءًا من هذا الردع.
⁃ التحالفات والتوازن الإقليمي:
تساعد التحالفات العسكرية والاتفاقيات الأمنية في تعزيز مبدأ الردع المتوازن بين الدول، حيث يصبح الاعتداء على دولة واحدة يعني مواجهة ردود فعل مشتركة من عدة دول، مما يعزز استقرار المنطقة.
3. التحديات والتطورات المستقبلية
⁃ تحديث وتطوير القدرات:
يتطلب الردع المتوازن التجديد المستمر والتطوير في مجالات الأسلحة والتقنيات الحديثة، وذلك لمواجهة التطورات المتسارعة في المجال العسكري والسيبراني.
⁃ الديناميكيات الجيوسياسية:
يتأثر مفهوم الردع المتوازن بالمشكلات السياسية والاقتصادية والابتكارات التكنولوجية، مما يتطلب إعادة تقييم دورية للسياسات الدفاعية لضمان عدم التفريط في التوازن الأمني.
⁃ السلامة والاستقرار العالمي:
رغم أن الردع المتوازن يعمل على منع النزاعات، إلا أن الإفراط في التسلح أو الانزلاق في سباق تسلح يمكن أن يؤثر سلبًا على الاستقرار العالمي، ما يستلزم وجود ضوابط دولية ورقابة شفافة.
يعمل مفهوم الردع المتوازن في جوهره على خلق بيئة يُصبح فيها التحرك العدواني خيارًا محفوفًا بالمخاطر الباهظة، وذلك من خلال ضمان أن الخصم لن يتمكن من تحقيق مكاسب من أي عمل عدواني. هذا المفهوم يستند إلى المبادئ النفسية والعسكرية التي تجعل من المعلومات المتبادلة والشفافية والتحديث المستمر عناصر أساسية لضمان تحقيق الردع الفعّال.
|